لا نعدو الحق والواقع إذا نحن قلنا: إن البحث في هذا الموضوع هو بحث في صميم البناء الهيكلي للأسرة البشرية التي بها يتواصل الوجود الدنيوي ويعمر الكون كما أراد الله تعالى أن يعمر، وتتم الخلافة في الأرض للإنسان كما أراد الله أن يحصل ذلك ويتم.
وإذا كان الحجر الأساسي في بناء هيكل الأسرة إنما هو الزواج الذي حثت عليه الأديان السماوية ورغبت فيه الفطرة الإنسانية، فإن لهذا الزواج مأملين عظيمين وغايتين شريفتين:
- أولى هاتين الغايتين – إعفاف النفس وإحصان الفرج وكفى بذلك نبلا أن الإنسان يرتفع عن مصاف العجماوات، ويتنزه عن الدنس والرذيلة والفجور.
- وثانية الغايتين – التناسل والإنجاب اللذان أودع الله تعالى في تركيبه الجبلة الحيوانية عموما، وخص الجبلة البشرية بالرغبة في ذلك تقترن بحب البقاء، وتحقيق الآمال، وبقاء الذكر، والتطلع لامتداد الأجل.
- وإذا كان بقاء الإنسان في ذاته منتهيا إلى حد قصير في هذا الوجود الدنيوي، فإن بقاءه في نسله وبنسله قد يستمر ما استمر الملوان..
- وإذا كان من العسير جدا أن يحقق الإنسان بنفسه كل الآمال والأحلام التي ظل يحلم بها ويمني النفس، فإن تحقيق ذلك قد يصبح ميسورا مأمولا إن هو عول في الباقي على ربه وعلى ما وهبه من ذرية صالحة.
وقد اشتاقت (حنة) امرأة عمران إلى الولد لما أسنت فدعت ربها، ولما أحست بالحمل نذرت ما في بطنها محررا من شواغل الدنيا لخدمة بيت المقدس، وبذلك تحقق بنسلها ما لم يتيسر لها تحقيقه بشخصها، ولكن جرت المقادير بغير ما اشتهت حنة.