للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالخلق والتوالد والتناسل قدر نافذ، وسلطان قاهر، وتدبير محكم من عزيز حكيم قدير، عالم بما خلق، محيط بما أوجد، حكيم في شرعه، وما كل الكائنات وجودا وعدما، زيادة ونقصا- إلا خاضعة لإرادته جل شأنه، ولمشيئته العلية لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

وكان من حكمته أن شرع للإنسان – من أجل تناسله وتوالده، وإرضاء غرائزه، وصيانته وحفظه.. الزواج، فكان عقدا رضائيا، وكان من بين ثماره النسل والذرية {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} . [الآية ٤٩-٥٠ من سورة الشورى] .

واليوم وقد زخر العالم بالخلق، وماج ببني الإنسان، أحاط به ظاهرتان تستدعيان النظر والبحث: ظاهرة كثرة النسل في بلاد ضاق خيرها وقدر رزقها، وظاهرة قلة النسل في بلاد كثر خيرها ووسع رزقها، مما دفع بعض القائمين على الأمور إلى التساؤل عن حكم الشرع في تحكم الزوجين في الإنجاب، هل يجوز أو لا يجوز؟ وعن الأسباب أو البواعث التي يمكن أن تكون صالحة شرعا للقول بذلك واستجابة لهذه الرغبة، وإجابة عن هذا التساؤل، رأيت أن أبين في هذا البحث حكم الشرع في "تنظيم النسل أو تحديده" بالنسبة للأفراد، أو الجماعات والدول متوخيا في ذلك بيان رأي الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة، ومرجحا ما يرجحه الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تناولته على المنهج التالي:

<<  <  ج: ص:  >  >>