في الحقيقة الإنسان أيضا يعود إلى تلك القاعدة التي حفظناها وهي أن بعض الأحكام قد تتغير بتغير الزمان وبتغير الأحوال فأنا في الأحوال التي أراها الآن سائدة في كثير من الدول، عندما يأخذ المستأجر من المالك شيئا ربما بعض الملاك يقبل يديه، يقبل يد المستأجر لأن المستأجر في هذه الحالة يريد أن يأخذ من المالك شيئا لكي يذهب إلى مسكن آخر يلائمه أو يلائم مركزه الاجتماعي وهو هذا المسكن بأجر ضئيل وقد مضى عليه عشرات السنين فيذهب إلى مكان آخر فربما دفع المستأجر ضعف ما أخذه من المالك لأنه يريد أن يتحول إلى مكان آخر وفي الوقت نفسه المالك استفاد استفادة عظمى لأنه بعودة هذا الملك إليه يستطيع أن يربح من ورائه أضعاف أضعاف ما كان يربحه من وراء هذا المستأجر الأصلي.
فما دامت الأمور مبنية على التراضي، المستأجر قد انتفع لأنه ذهب إلى مسكن آخر ودفع فيه هذا المبلغ الذي أخذه من المالك أو دفع أكثر أو دفع أقل، والمالك قد انتفع بمسكنه لأنه يستطيع أن يؤجره بعد إدخال تعديلات معينة عليه، يستطيع أن يؤجره بإيجار أضخم وأضخم وتراضيا على ذلك عن طواعية وعن اختيار وبدون استغلال. فأرى أن هذا ليس فيه شيء من الحرام، ولذلك أنا أميل إلى رأي المالكية ورأي الإمام أبي يوسف في هذه المسألة.
فيما يتعلق بالمسألة الثالثة، وهي الحالة الغالبة المثيرة للنزاع وهو ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من شخص آخر غير المالك المؤجر مقابل تنازله إلى آخره. أنا أرى أن المسألة أيضا لا ضير فيها بشرط أن يكون قد نص في العقد على أن من حق هذا المستأجر أن يؤجر العين لغيره في المدة المحددة للإيجار أو لا بد أن يكون هناك شرط لأن الملكية الخاصة محترمة في شريعة الإسلام. فالمالك ما دام مالكا لهذه العين فلا يصح للمستأجر بحال من الأحوال أن يتصرف في هذه العين إلا بإذن المالك وإذا تصرف فإنما يكون تصرفه في حدود ما يملكه من أخشاب، من أدوات هو يملكها. أما التصرف في العين بأي صورة من صور التصرف فلا بد أن يكون بإذن من المالك، فلا يصح لهذا المستأجر أن يؤجرها من الباطن لغيره، ولعل هذا هو الذي تأخذ به البلاد فيما يتعلق بالتأجير من الباطن وهو أنه لا بد أن يكون بإذن من المالك لأن الملكية الخاصة محترمة ما دامت قد أتت عن طريق الحلال وما دام صاحبها يؤدي حق الله ويؤدي حق المجتمع فيجب أن لا تمس ويجب أن يحافظ عليها محافظة تامة وبالله التوفيق.