وواضح لكل ذي عقل بصير وإدراك سليم وذوق في شؤون الشريعة قادر على النفاذ إلى سرائرها ومكامن المناط منها أن ملاك الأمر في هذا الشأن وفي كل شأن من شؤون الاجتهاد هو اعتبار المصلحة في نطاق المعايير الشرعية سواء كانت عامة أو فردية وأن اعتبار المصلحة مرده إلى أولي الأمر ممن إليهم المرجع في تبيان الحكم إن كان مما يتصل بالفتوى أو ممن إليهم المرجع في تنفيذه وتحديد موجباته وتقدير ظروفه إن كان مما يتصل بالشؤون العامة وهذا النوع خاصة هو ما يعنينا في هذا البحث وقد أطلق عليه في العصور المتأخرة لفظ "سياسة"، أو " السياسة الشرعية " ولا نذكر أننا عثرنا على هذه العبارة في تعابير الصحابة والتابعين وأئمة الاجتهاد الأول ولكنا نجدها آخذة في الشيوع من حوالي القرن الخامس الهجري حتى أصبحت بابًا جليلًا من أبواب الفقه، وقد عقد لها ابن القيم فصلًا جليلًا وقال فيه كلامًا شريفًا تدعو الحاجة إلى استكمال عناصر التبيان لموقفنا في هذا البحث إلى أن نقتطف منه ما يلي: