للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن مخالفة العرف والعادة لا تخلو من حرج وضيق والله سبحانه وتعالى يقول:

{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١)

يقول بعض الحنفية: كلام أبي حنيفة أخذ بالثقة , وفرار من القبح , والنظر في المعاملات بين الناس وما استقاموا عليه وصلحت به أمورهم , فيمضي الأمور على القياس , فإذا قبح القياس , يمضيها على الاستحسان ما دام يمضي له , فإذا لم يمضي له رجع إلى ما يتعامل به المسلمون.

ومعنى هذا أنه يأخذ بالقياس والاستحسان عند فقد النص , فإذا لم يكن عنده قياس دائما عند فقد النص , فإنه يدرس تعامل الناس والعرف الجاري عندهم ثم يقرر الحكم.

وأحسن مثال نقدمه هنا على الأخذ بالعرف والعادة لما فيهما من مصلحة ما قصه ابن عابدين في رسائله (ج٣ ص١٤٣) في موضوع العشر الواجب في الأراضي الزراعية المستأجرة , هل هو على المستأجر أم على المؤجر؟

فالإمام أبو حنيفة يحمله على المالك؛ لأن الزكاة مؤونة الملك وثمرته , وملك الأرض للمؤجر , لا للمستأجر.

وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحسن: إن العشر على المستأجر؛ لأن الزكاة تؤخذ من الزرع , فتتبع مالك الزرع وهو المستأجر.

قال ابن عابدين: إن تطبيق رأي الإمام الذي يرجحه الأقدمون يؤدي إلى ظلم أراضي الأوقاف , ولذا أفتي برأي الصاحبين تماشيًا مع العرف.

يقول الكاساني في بدائعه (ج ٢، ص ٥٦) :

(ملك الأرض ليس بشرط لوجوب العشر , وإنما الشرط ملك الخارج , فيجب في الأراضي التي لا مالك لها وهي الأراضي الموقوفة؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (٢) وقوله عز وجل: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (٣)


(١) الحج: آية ٧٨
(٢) البقرة ٢٦٧.
(٣) الأنعام: ١٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>