للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة فيما يبدو لي في الفكر الاقتصادي الإسلامي أن العمل هو أساس التنمية، وبالتالي فلكل عمل جزاء، وهذا ما يميزنا على الشيوعيين والماركسيين وغيرهم، نحن ننحاز إلى أن العمل لا بد له من مقابل، ولكننا نرفض أن يكون للمقابل مقابل، من هنا تنشأ المشكلة، يعمل الإنسان عملًا صالحًا فيستحق جزاء، ولكن هذه المعادلة وقد أقفلت تدخل في مرحلة التلاعب حينما يطلب مقابلًا على مقابله، وتنشأ هذه المشكلة التي نواجهها الآن، فيما يبدو لي أن العلة في الزكاة وكما أخرجها الأقدمون أنها تدور في أحد أمرين، هو حق بتعبير ربى "حق" من أين نشأ هذا الحق، لأنه تحمل الزكاة على الشركة أو تحمل على أنها دين، والأرجح عندي أنها تحمل على الشركة، فنحن بحكم ملكية الأزل شركاء مع هذا العامل الذي كلفناه أن يعمل في هذا المال، ولذلك {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} حينما أعمل، أعمل بهذا الجهد ممكنًا في هذه الثروة التي مكنني فيها الله ومكنني فيها هذا المجتمع المستخلف فيها، ولذلك هناك حق بحكم ملكية الأزل لا بد أن يتقاضاه هذا المجتمع. فالصورة الأصلية إنما الموضوع الذي أدى إلى الالتباس هو موضوع النقود، والمنع هناك واضح لأنه كما قال الأقدمون أيضًا إن النقود فيها شرك خفي ولذلك استعمل ربى التطهير النفسي. لماذا الشرك الخفي؟ لأن كل ما في الكون يستهلك حتى بعوامل التعرية تستهلك الجبال، ولكننا نحن حينما أوجدنا النقود وهي وكيل عن الطيبات أردنا للوكيل أكثر من موكله. أصبحت النقود لا تتناقص ولا تكلف صاحبها شيئًا، أي طيبة من الطيبات تكلف صاحبها التخزين وقد تستهلك وما إلى ذلك، ولكن هذا الوكيل الجديد، هذا البديل الجديد، الذي جاء لكي يكون مقياسًا ومقومًا أصبح أداة اختزان واكتناز لما جاء فيه من هذه المزايا التي لا تكلف، فهناك العلة مختلفة بالنسبة للنقود لأنها تطهير نفسي ومنع أن يظن أن هناك مالًا ينقص. الله الواحد الأحد الذي لا شبيه له ولا مثيل هو الداعم، ولكن أي طيبة أي شيء في هذا الكون يتناقص مع الزمن، فلا بد أن تتناقص النقود أيضًا. فالزكاة على النقود هي ضريبة للتناقص، ولدفعها حتى لا تكون مكتنزة ومعطلة عن التعامل، ولكن الأصل في الزكاة العامة محمولة على أننا شركاء مع هذا الذي يعمل في هذا المال الذي استخلفنا الله فيه جميعًا ووظفناه فيه لأنه أقدر على بذل هذا الجهد فيه. إذا نظر إلى هذه الأمور بالقواعد والأصول الأصلية يصبح بعد ذلك أن النظر أيضًا في الموضوع التالي أنا حينما أضع هذا المال في خدمة المجتمع وأسلمه إلى شخص آخر لكي يستخدمه، فإذا استخدمه فلا زكاة عليه حتى عنده وإلا فإن عطله فعليه الزكاة، أما أنا وقد وضعته في خدمة المجتمع فلا زكاة على. النظرة تختلف، وبعد ذلك سنأتي لموضوع الدور والعمارات والمستغلات، ومن هنا نشأت المفارقات. العوامل الأخرى التي أوجدها ربى من نعمة تنمو من طبيعتها، ولكننا نحن هنا أوجدنا نموًا مفتعلًا، ولذلك نواجه هذا المشكل. في اعتقادي أن ربط الموضوع فيما يتعلق بالربا {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} وربط الموضوع بالزكاة وباعتبارها أنها تقوم أصلًا على معنى الشركة من المجتمع وباعتبارها دفعًا نحو التنمية ونحو العمل وربط كل ذلك بالعمل والعمل الصالح هو الذي يوضح صورة النظام الاقتصادي الإسلامي. وكل ما هو عبادة إنما هو تهيئة الإنسان لأداء دوره، وفي اللسان العربي المبين: عبد الطريق أو عبد الإبل، هيأه لما يصلح له، التسخير هو دفع الشيء لما يصلح له جبرًا وانقيادًا، وأما العبودية والعابدية فهي تهيئة الشيء لما يصلح له. فكل شيء يؤكد الأمور لما تصلح له هو عبادة ولذلك نحن حينما نعمل المبادئ الأساسية في الفكر الإسلامي وفي الفكر الاقتصادي الإسلامي كثير من هذه الأمور يبدو لي أنه يجب أن ننظر إليها نظرة أخرى ... وشكرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>