للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد فصل سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجزاء عن هذه الأمة خيرًا، فصل كثيرًا في موضوع التعاون على البر الذي هو جلب المنافع للناس ودرء المفاسد والشرور عنهم، فقال في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان: يشد بعضه بعضا)) وشبك بين أصابعه. قال القرطبي: (فإن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضا ويقويه) وهذا هو مثل المسلمين في الإنجيل: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ} [الفتح: ٢٩] ، فكل ابن من أبناء المجتمع الإسلامي الكبير، وكل أسرة من أسره، وكل جماعة من جماعاته، كمثل الشطء أو الغصن الذي يتفرع عن جذع الشجرة، ولكنه لا يكون عبئًا عليه، وإنما يقوم بدوره في دعم المجتمع، ومعاونته: (يؤازره) ، ونتيجة لهذه (المؤازرات) المتعددة المتواصلة يستغلظ المجتمع ويستوي على سوقه ويعجب! .

ومن هنا كان التشبيه الآخر الذي أورده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمجتمع المؤمنين ـ في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير ـ: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) . وواضح أن خلايا الجسد لا تعيش عيشة فرادية منعزلة وإلا ماتت جميعًا، بل هناك رابطة تجمع بينها وتجعلها تعيش عيشة الجسد الواحد. وانظر إلى هذه الإشارة اللطيفة في الحديث إلى القوى التي تربط بين أجزاء الجسد، والتعبير عنها بصيغة (التفاعل) فهو تواد وتراحم وتعاطف: يود كل كلا، ويرحم كل كلا، ويعطف كل على كل.

ومما ذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحث على جلب المنافع، قوله في الحديث الذي رواه الدراقطني في (الأفراد) والضياء المقدسي في (المختارة) عن جابر: ((خير الناس أنفعهم للناس)) ومثله الحديث الحسن الذي رواه ابن أبي الدنيا في (قضاء الحوائج) وابن عساكر، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس)) وقوله ـ صلوات الله عليه ـ في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر بن عبد الله: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)) وقوله ـ عليه السلام ـ في الحديث الحسن الذي رواه البخاري في (الأدب المفرد) عن أبي ذر: ((عون الرجل أخاه صدقة)) .

ويتبنى هذا الركن على مفهوم أخوة المؤمن للمؤمن الذي ورد عليه النص في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] ثم وضحه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التوضيح بقوله في الحديث المتفق عليه عن أنس: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير)) ، وزيادة (من الخير) لأبي عوانة والنسائي وأحمد في رواية لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>