للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ قطب مصطفى:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم سليمًا كثيرًا.

اللهم إن للإنسان زلات فاغفر زلات ألسنتنا، وللحديث هفوات فاعف عن هفوات حديثنا، وللكلام سقطات فاغفر سقطات كلامنا، وأنت المثبت فثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا واجعل لنا في سائر أمورنا خيرًا. أصحاب الفضيلة السادة الفقهاء. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

اسمحوا لي في بداية هذه المداخلة المتواضعة أن أعبر عن شكري الجزيل لفضيلة الدكتور عبد الستار، الذي تكرم فلخص البحث الذي قدم في هذه الجلسة، وليس في جعبتي كثير من الأقوال التي أود أن أقولها في هذه المناسبة إلا أنني أود أن أعلق على نقاط ثلاث وردت أثناء التعليق والمداخلات التي عني بها السادة الفقهاء.

القضية الأولى: حقيقة هذه المضاربة: هل هي عقد جديد كما ذهب إليه عدد كبير من أصحاب الفضيلة؟ أم أنها ليست بعقد جديد؟ بالرجوع إلى تاريخ المضاربة نجد أنه عندما يقال: إن المضاربة مشروعة دائمًا يرجع إلى أنها مشروعة بالسنة التقريرية، ذلك أن الناس كانوا يمارسونها في عصر الرسالة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الناس على ذلك، ولكن نظرة أخرى في الواقع الذي كان عليه الناس في الجزيرة العربية قبل الإسلام نجد أن المضاربات التي كانت تتم: كانت تتم في شكلين أساسيين: شكل جماعي، وشكل فردي.

أما الشكل الجماعي فعودة مباركة إلى تلك الحادثة التي تحدثنا عن أبي سفيان عندما خرج بأموال قريش إلى الشام ولا شك أنه كان في تلك الحالة في وضعية يمكن أن يطلق عليها اليوم المضارب المشترك، لذلك عندما عاد واعترض المسلمون هذا المال كان قوله: يا قريش إن أموالكم في خطر. إذًا الجدية إن كانت لا بد أن يكون لها وجود في المضاربة فهي لا تعدو أن تكون في بضعة من المسائل التي يتحدث عنها الناس الذين يمارسون هذه الممارسة، فعقد ليس جديدًا في حقيقة الأمر وجد قبل الإسلام، واستمر العمل به إلى هذا العصر الذي صار فيه نوع من التنظيم الدقيق لهذه المعاملة.

وإذا لم يكن عقدًا جديدًا وهو عقد من العقود التي عرفتها الناس في معاملاتهم اليومية.

فليست هنالك من حاجة إلى التهويل من هذه الناحية التي تتميز بها هذه المضاربة في بعض تطبيقاتها.

إذًا كان للمضاربة المشتركة أو الجماعية وجود قبل الإسلام، قبل عصر الرسالة، واستمر هذا العمل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لماذا أقول ذلك؟ لأن الذين تحدثوا في فكرة المضاربة المشتركة حاولا أن ينسجوا حولها جملة من المسائل بحكم أو بدعوى أنها عقد جديد، وبما أنها عقد جديد فلا بد أن تكون لها أحكام جديدة، وبالتالي تأتي هذه المسائل التي تحدث عنها مهندسو هذه الفكرة في هذا العصر.

وإذا الأمر كذلك - وهو كذلك إن شاء الله - ننتقل إلى الجديد في هذه المضاربة، هي مسألة الضمان التي تشكل أهم قضية في هذه المسألة، وفي الوريقة التي بين أيديكم حاولت جاهدًا أن أتحدث عن الضمان وأحرر محل النزاع بين المختلفين في هذه المسألة؛ فالضمان الذي تحدث عنه الفقهاء ضمان يتمثل في اشتراطه عند انعقاد العقد، فإذا اشترط رب المال على العامل أن يضمن المال عندئذ يعتبر هذا الشرط فاسدًا أو باطلًا عند بعض الفقهاء.

ولكن لا يجد المرء حديثًا لدى الفقهاء حول الضمان عندما يأتي من المضارب (العامل) نفسه، وربما يخيل إلي أن المالكية ومعهم الإباضية، وبعض الإمامية، هم أولئكم الفقهاء الذين عنوا بهذا الحديث في هذا الجانب وسموه بالتبرع بالضمان، أي أن العامل الذي قصد من عدم تضمينه حمايته هو الذي يضمن هذا المال، بناء على حسابات ومراجعات وأسس، وربما توقعات يرى من خلالها أن المال سيسلم.

إذًا ما على المحسنين من سبيل، إذا كان رب العمل أو العامل هوالذي يتبرع والمالكية يقولون بذلك، سواء قبل الشروع في العمل أو بعد الشروع فيه لا أظن أن هنالك غضاضة بالنسبة للمصارف الإسلامية أن تأخذ هذا الرأي المبارك الذي انتهى إليه المالكية وخاصة أن عامة الفقهاء لا يعارضون هذه الفكرة التي توصل إليها بعض المالكية ومنهم ابن بشير وهو من هو في المدرسة المالكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>