أحدهما: أن التغير اليسير مغتفر قياسا على الغبن اليسير والغرر اليسير المغتفرين شرعًا في عقود المعاوضات المالية؛ من أجل رفع الحرج عن الناس، نظرًا لعسر نفيهما في المعاملات بالكلية، ولغرض تحقيق أصل تشريعي مهم؛ وهو استقرار التعامل بين الناس، بخلاف الغبن الفاحش والغرر الفاحش، فإنهما ممنوعان في أبواب البيوع والمعاملات.
والاعتبار الثاني: أن التغير اليسير مغتفر تفريعا على القاعدة الفقهية الكلية: أن ما قارب الشيء يعطى حكمه، بخلاف التغير الفاحش، فإن الضرر فيه بين والجور فيه محقق.
الحالة الخامسة التضخم والانكماش: وهذه الحالة لم يذكرها الفقهاء في كتبهم، ولم يتعرضوا لها في مدوناتهم؛ إذ لم يكن لها من الخطر في زمانهم مثل مالها في عصرنا الحاضر. وحقيقة هذه الحالة أن يطرأ التضخم أو الانكماش بعد الوجوب في الذمة وقبل الوفاء، بحيث تنخفض أو ترتفع القوة الشرائية للنقد الثابت دينا في الذمة تجاه السلع والمنافع والخدمات التي تبذل عوضًا عنه. والذي يستنتج من كلام الفقهاء في مسألة تغير النقود، أن التضخم أو الانكماش وحدهما لا تأثير لهما على الديون البتة، ولو حدث أن قارن التضخم أو الانكماش إحدى الحالات الآنفة الذكر، فإن الحكم يناط بتلك الحالة بغض النظر عن التضخم والانكماش الملازم أو العارض. هذا هو الحكم في الديون التي لا ارتباط لها عند وجوبها بالقوة الشرائية للنقد.