وكثيرًا ما يشتري التاجر بضاعة بنقد محدد مؤجل الوفاء إلى أمد متفق عليه، وعندما يحل الأجل ويحين وقت الأداء يجد كل واحد من المتبايعين أن المبلغ المتفق عليه قد اختلف حاله، من حيث القوة الشرائية، أو من حيث القيمة بالنسبة إلى الذهب، أو بالنسبة إلى العملات الأخرى عن الوضع الذي كان عليه وقت وجوبه في الذمة بالعقد. وفي كثير من البلدان الإسلامية جرى العرف بين الناس على جعل بعض مهر الزوجة أو أكثره أو كله دينًا مؤجلا في ذمة الزوج، لا يحل إلا بالموت أو الفرقة ويسمونه المهر المؤجل. وواقع الأمر في غالب حالات المهر المؤجل طرو التغير الفاحش على قيمة النقد الذي جُعل مهرًا، وصار دينا في ذمة الزوج عند حلوله، بالنظر إلى يوم ثبوته في الذمة.
هذه بعض صور القضية، وللقضية تعلقات شائكة، وآثار خطيرة، وأبعاد كثيرة لا تكاد تحصى، وإنها لتمس الفرد والمجتمع والدولة في مجالات مختلفة وجوانب شتى، غير أن الذي يعنينا بحثه في هذا المقام ما يتصل بالمعاملات المالية عند تغير أحوال النقد، وأثر ذلك على الديون في الذمم أيا كان سببها ومنشؤها. وهذا الجانب في الحقيقة ونفس الأمر، وإن كان عظيم الأهمية وبالغ الخطورة في هذا العصر على الخصوص، فإن مبادئه وأسسه موجودة ومعروفة في تعامل المسلمين وفقههم، ولفقائهم في ذلك آراء ونظرات هامة جديرة بالعناية بها والإفادة منها، وبيان ذلك: