للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشاكل المسن الاجتماعية:

١- الوحدة والعزلة الاجتماعية:

تتميز الحياة الاجتماعية للمسنين بفراغ يتخلل حياتهم، وذلك نتيجة تفرق أولادهم في شؤون الحياة، وتقاعدهم عن أعمالهم، والضعف الجسمي الذي يحد من حركتهم ونشاطهم، وتناقص أفراد جيلهم.

وتزداد الوحدة الاجتماعية شدة ومرارة مع موت أحد الزوجين ليترك الآخر مترملًا مهيض الجناح الأليف.

كلما تقدم الإنسان بالعمر ازدادت عاداته وسلوكه رسوخًا وثباتًا، حتى تغدو جزءًا لا يتجزأ من مقومات شخصيته، وهناك ميل لدى المسن إلى الاستمرار في توعية السلوك ونمطه، فاستعمال الجديد يحتاج إلى معرفة طريقته وتعلمه والاقتناع بفائدته، أما القديم فهو أيسر وأسهل، ومع تقدم العمر يطبع الإنسان بطابع الحرص على القديم والتمسك الشديد بعادات وقيم نشأ عليها.

لذلك فإن آراء المسنين واتجاهاتهم تمثل الأفكار والعادات التي كانت سائدة في زمن شبابهم، أما آراء الجيل الناشئ واتجاهاته فتمثل انعكاسًا وامتصاصًا لما يجري من تطورات حديثة متغيرة، ومن هنا ينشأ الصراع الدائم بين الجيل القديم والجيل الجديد، ويزداد نقد المسنين الحاد للجيل التالي في تصرفاته وآرائه، ويسخر مما وصلت إليه حال الأجيال التالية، وتزداد نظريته تشاؤمًا للقادمات من الأيام.

وقد ثبت أيضًا أن المسنين الذين يواصلون العمل الفكري النشيط، ويبقون على اتصال مع أنواع الثقافات هم أقدر على تعلم الجديد، وأكثر مرونة في تقبل التغيرات الاجتماعية.

٢- مكانة المسن في المجتمع:

بالرغم مما يقوم به المجتمع الصناعي من تأمين الخدمات وغيرها للمسنين، إلا أن مركز الشيخ في المجتمعات الشرقية والقديمة يبقى أكثر احترامًا وتقديرًا، وهو يمثل مركزًا اجتماعيًا كبيرًا، فبالإضافة إلى الاحترام والتقدير، فإليه يعود الفضل في كثير من الأمور الهامة، كحل المشاكل والخلافات وإسداء النصح والخبرة في أمور الحياة.

وفي مجتمعاتنا الشرقية ما زال للشيوخ حتى الآن مكانتهم اللائقة، فهذه المجتمعات لا زالت تحافظ على أواصر القربى والروابط العائلية، وتعطي للمسنين حق قدرهم وتبقي على التقاليد التي تدعو لاحترامهم وتقديرهم، إضافة إلى التعاليم الدينية التي دعت لاحترام المسنين، فقد نادى الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما في كبرهم، قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: ٢٣] . ويقول عليه الصلاة والسلام: ((ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا)) (١) .

كل هذا أدى إلى الإبقاء على منزلة كبيرة للمسنين، وإحاطتهم برعاية تخفف عنهم وطأة الشيخوخة، بعكس ما يحدث في المجتمعات الغربية المعاصرة، حيث ضعفت مكانة المسنين فيها؛ لأنهم صاروا يشكلون عبئًا بعددهم الكبير، إضافة إلى أن هذه المجتمعات تؤمن بالقوة والسرعة والعمل والإنتاج، وتسودها النزعة الاستقلالية ومظاهر تفكك الروابط الأسرية والعاطفية بين أفراد العائلة، فتقسو الحياة على المسنين ويهجرهم أبناؤهم ويتذمر المجتمع منهم، فيشعرون أنهم عالة على المجتمع، وأنهم دون نفع في الحياة، وتزداد الأمراض النفسية بينهم، والانهيارات العصبية وحوادث الانتحار، ولا يلقون الرعاية الكافية من عائلاتهم، فيعيش أغلبهم في دور العَجَزة ومدن الشيوخ (٢) .


(١) رواه أحمد
(٢) الشيخوخة، د. مي يوسف، ود. خطار عيزوقي، ص ٩٤ – ٩٩ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>