للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقال: إن الفلوس لم تكن تستعمل إلا في إتمام المعاملات زهيدة القيمة فقط، وهذا كان صحيحًا في بداية عهدها. ولكن تغيرت الأمور بعد ذلك، حيث أسرف الحكام في إصدراها وأصبحت نقدًا رائجًا بعد ذلك في الأسواق واستخدمت في المعاملات صغيرها وكبيرها، وأقرضت وقبلت مالًا للمضاربة. هذا بينما اختفت الدنانير والدراهم التي أدخرها الناس ثروة لهم أو قاموا بصهرها حتى ينتفعوا من قيمتها السلعية. ولقد أثبت المقريزي هذا التطور بالرغم من أنه كان كارهًا للفلوس معتبرًا أنها لا تستحق أبدًا أن تكون أو تسمى نقدًا؛ لأن هذا لا يكون عنده إلا للذهب أو الفضة (١) .

بالإضافة إلى ذلك لم يعرف غلاء (تضخم) مستمر إلا في عصر الفلوس، وكان هذا بسب الإسراف في إصدارها (انظر المقريزي) فتعرضت (للرخص) الشديد في بعض الفترات. ما يحدث الآن من تضخم بسبب الإسراف في إصدار النقد الورقي لا يختلف في جوهره كثيرًا عما كان يحدث للفلوس.

ولكن هل هذا الشبه يبيح لنا أن نقول إذن أن نأخذ أحكام الفلوس في الفقه حتى نطبقها على النقد الورقي؟ لو فعلنا هذا لارتكبنا خطأ لا يقل عن خطأ أخذ أحكام الذهب والفضة للنقد الورقي. فالفلوس عند بعض المذاهب اعتبرت نقدًا اصطلاحيًا، وعند البعض الآخر لم تعتبر نقدًا بل سلعة، وعند آخرين نقدًا عند رواجها، أما في غير ذلك فهي سلعة تباع وتشتري.


(١) انظر المقريزي، إغاثة الأمة يكشف الغمة، يمكن الاطلاع على أهم ما جاء فيه بشأن موضوعنا هذا في بحث: رفيق المصري، الإسلام والنقود، ص ٨٥ – ٨٦، مركز النشر العلمي، جامعة الملك عبد العزيز جدة، الطبعة الثانية (١٤١٠ هـ / ١٩٩٠ م) . وكذلك في بحث: عبد الرحمن يسري أحمد، تطور الفكر الاقتصادي، سبق ذكره، ص ١٢٩ – ١٣٩، ولكن بصفة خاصة (١٣٥ – ١٣٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>