للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاتمة

يتضح من هذا العرض أن الفقه الإسلامي لم يهمل القرائن وإن كان قد بدا أزورار أخذ الفقهاء بها في الجرائم التي تدرأ عقوباتها بالشبهات- أي جرائم الحدود والقصاص - فقد رأينا أن الجمهور من الفقهاء لم يثبت الحد بالقرائن لما تحوطها من الاحتمالات التي تكفي لتكون شبهة دارئة للحد، ولكن هناك من قال بإعمال القرائن في الحدود وهو مذهب المالكية وابن الغرس من الحنفية ورواية عن أحمد وقول ابن تيمية وابن القيم، والقرائن التي أخذوا بها هي قرينة الحمل في الزنا والتعريض مع دلالة الحال بإرادة القذف، والرائحة والسكر والقيء في حد الخمر ووجود المسروق مع السارق.

وقد رجحنا هذا القول لكونه وجيها ومناسبا لوقتنا الحاضر ولعدم منافاته لمقاصد الشرع الحكيم، خصوصا عند إفساح المجال للمتهم لينفي الشبهة عنه ببرهان أن هذه القرائن الواضحة لا تنطبق على حالته مع إبداء سبب معقول.

أما في مجال جرائم القصاص فقد رأينا إعمال الجمهور للقرائن مع القسامة وقلة منهم قالوا بثبوت الجريمة مع القرائن المجردة وقد بينا إمكان التعويل على هذا القول ولكن في المرتبة الثالثة أي بعد تقديم الأدلة الأصلية لثبوت الجريمة وهي الإقرار والبينة ثم يمين القسامة ثم القرائن المجردة عن تعذر القسامة.

أما جرائم التعزير فلا خوف في إثباتها بالقرائن والنصوص، وأقوال الفقهاء واضحة في هذا المجال.

أما في القانون فقد رأينا أن القرينة من الأدلة الأصلية في المواد الجنائية بل وإن القانون قد تدخل في بعض القرائن ورتب عليها أحكاما لا يجوز للقاضي إلا العمل بها عند توافر شروطها.

ولعلنا بإبراز وجهة نظر الفقه الإسلامي في القرائن التي استحدثتها العلوم الحديثة، وبيان أن الفقه الإسلامي لا يمانع من الأخذ بقرينة تقوم على نتيجة علمية مؤكدة لا على نتيجة واهية لا تسندها حقيقة علمية، نكون قد وضحنا جانبا مهما لم تنحل معالمه من قبل.

والله أسأله أن يجنبنا الزلل وهو الهادي إلى سواء السبيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>