١١- فالاستنباط كما سبقت الإشارة، لا يعدو أن يكون أمرا عقليا يقوم على استخلاص نتيجة يقينية مؤكدة من مقدمات قطعية، بحيث تتسلسل النتائج ويترتب بعضها على بعض ليكون آخرها متوقفا على أولها (١) .
وليس المقصود بالنتيجة اليقينية المؤكدة ما يكون قطعيا لا يتطرق إليه الاحتمال قط، فذلك لا يكون، في غير العلوم الطبيعية والنظريات الحسابية، إلا نادرا، والأحكام الشرعية لا تبنى على الحالات النادرة، وإنما المقصود هو العلم الذي قد يوجد مع احتمال نقيضه احتمالا غير ناشيء عن دليل، فاليقين أو القطع هنا شامل للظن الغالب، لأن وسائل الإثبات مهما كانت قوتها لا تخلو دلالتها من ظن.
١٢- على أن معيار القطع في الإثبات الجنائي- يختلف عنه في الإثبات المدني مما يقتضي حرصا على التطبيق:
فمع أن القضاء ينشد الحقيقة في كلا المجالين، إلا أن الإثبات في المجال المدني محدود في منهجه وفي وسائله، فهو يقوم أساسا على الموازنة بين حجج الطرفين، والقضاء لمن تكون حجته ألحن من حجة خصمه، ومن ثم فإن الحقيقة الظنية الغالبة هي المطلوبة في هذا الإثبات.
(١) الدكتور محمود عبد العزيز خليفة- مرجع سابق، ص١٣٤- ١٤٠.