للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: بيع معدوم لا يدري يحصل، أو لا يحصل، فهذا الذي منع الشارع بيعه لا لكونه معدومًا بل لكونه غررًا، فمنه صورة النهي التي تضمنها حديث حكيم بن حزام وابن عمر رضي الله عنهما، فإن البائع إذا باع ما ليس في ملكه، ولا قدرة له على تسليمه، لذهب ويحصله، ويسلمه إلى المشتري كان ذلك شبيهًا بالقمار والمخاطرة من غير حاجة إلى هذا العقد، ولا تتوقف مصلحتهما عليه. . . " (١) .

يؤكد ابن القيم رحمه الله أن ". . . ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في كلام أحد من الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز، لا بلفظ عام، ولا بمعنى عام، وإنما في السنة النهي عن بعض الأشياء التي هي معدومة، كما فيها النهي عن بعض الأشياء الموجودة، فليست العلة في المنع لا العدم، ولا الوجود، بل الذي وردت به السنة النهي عن بيع الغرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء كان موجودًا، أو معدوماً. . . " (٢) .

يتبين من النصوص السابقة أن موضوع النهي في هذا الحديث هو بيع الأعيان، وهو المخصوص به، وأن معناه: أن البائع الذي يختص به هذا النهي بين واحد من أمرين: إما أن لا يقدر على تحصيل السلعة وتسليمها، أو لا يدري إذا كان يستطيع تحصيلها أو لا؟.

كلا المعنيين منتفيان في عقد التوريد؛ لأنه أولًا: من قبيل البيع على الصفة، وثانيًّا: أن البائع يبرم العقد عندما تكون لديه الثقة من الحصول على المبيع في الوقت المحدد.

يؤيد هذا المعنى ويؤكده العلامة أبو الوليد سليمان الباجي حيث يخص النهي الوارد في الحديث بالمبيع المعين ثم يذكر سبب النهي في العبارة التالية:

". . . المبيع على ضربين معين وهو الذي ينطلق عليه اسم المبيع فلا يجوز إلا أن يكون معينًا كالثوب، أو الدابة، أو العبد، أو معينًا بالجملة مثل أن يكون قفيزًا من هذه الصبرة، وأما ما كان في الذمة فاسم السلم أخص به، فإنه يتعلق بالذمة، ولا يجوز أن يكون معينًا، ولا حالاً. . . ويتعلق المنع ببيع ما ليس عنده بالوجهين جميعًا.


(١) زاد المعاد في هدى خير العباد، الطبعة الأولى، تحيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، بيروت: مؤسسة الرسالة، عام ١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م: ٥ / ٨٠٨- ٨١٠.
(٢) إعلام الموقعين: ٢ / ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>