إن البائع العالم بنوع ما يبيعه وبثمنه إذا كان رشيداً صحيحاً فإنه لا خلاف أن له أن يبيع ملكه بثمن المثل، وبأقل منه وبأغلى، وأن يهبه أو أن يتصدق به. وكل ما ذكره بعض الفقهاء أنه إذا باع العين وسماها بغير اسمها جهلاً منه بحقيقة المبيع، فإن له حق الفسخ كما بينه الفقهاء.
يظهر مما قدمناه:
أولاً: إن اجتماع البيع والإجارة في صفقة واحدة جائز لعدم التنافي بين العقدين. وإن ما ذهب إليه سحنون من عدم الجواز محله إجارة الإنسان العاقل على عمل يدخله في المبيع، فتتأثر العين بعمل الأجير. وهذا غير متصور في الكراء الذي لا أثر لعمل المكتري فيه، فالصورة الأولى والثانية من هذه الناحية مقبولتان، وكذلك لا أثر لكون الثمن رمزياً أو حقيقياً. وأنه لا حجر على الرشيد العالم بما يفعل في الثمن الذي يرضى به في البيع، خاصة والبائع بنك له خبراؤه، وهو حريص على ما ينفعه حرصاً تسنده الخبرة والعلم بمسار الاقتصاد لا في الدولة التي ينتسب إليها فقط ولكن في العالم خصوصاً مع وسائل الاتصال الحديثة والنشرات المتتابعة عما يجري في الأسواق.
إن الصفقة في تلكم الصورتين تمثل عقدين لا عقداً واحداً. عقد إجارة وعقد بيع. وليست الصفقة تمثل عقداً واحداً مع شرط فاسخ. ذلك أن الذي وقع النص عليه في عقد البيع هو أن المؤجر بائع وأن المستأجر مشتر للعين المؤجرة.
والثمن معلوم، وأجل تنفيذ الصفقة معلوم أيضاً هو وقت سداد آخر قسط. وهذا مضبوط باعتبار أن الأقساط التي التزم المستأجر بخلاصها معلومة الآجال، متفق بين الطرفين على بدايتها ونهايتها.
حكم الصورة الثالثة:
الصورة الثالثة: هي أن يعد المؤجر في صلب العقد أن يبيع للمستأجر المعدات بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.
الصورة الظاهرة هي صورة وعد، ولكن بإمضاء الطرفين على العقد يظهر أن المؤجر قد التزم بالبيع وأوجبه على نفسه عند إحضار المستأجر الثمن (باقي الأقساط) ، وأن الطرف الثاني (المستأجر) هو بالخيار في قبول الصفقة متى شاء أو عدم قبولها أثناء كامل مدة الإيجار، وبيع الخيار لا يجوز إلا إذا كان الأجل مضبوطاً بمدة محددة مما يكون المشتري في حاجة إليه حسب العادة في المذهب المالكي. ولذا فإن المدة تختلف باختلاف العين المؤجرة.
الصورة الرابعة: أن يكون بيع المعدات من المؤجر للمستأجر بعقد منفرد بعد انبرام عقد الإجارة. وهذه الصورة لا يختلف حكمها عما قرر في الصورة الأولى والثانية. مع التأكيد على وجوب تعجيل الثمن.
وأما الصورة الثالثة فهي وعد من المؤجر للمستأجر. وهذا الوعد ملزم لأن المؤجر قد أدخل المستأجر في طريق وحوله إليه بموجب الوعد. لأنه لو لم يعده لما بذل المستأجر مجهوداً إضافياً أو دخل في التزامات مع أطراف آخرين ليفوز بما وعده المؤجر. نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين:(لو ذكر البيع بلا شرط، ثم ذكر الشرط على وجه العدة جاز البيع، ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس، ثم ذكر: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد) رد المحتار.