للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقع في رواية حماد: فقال: " إن منزلي متراخ - أي متباعد - فلو صليت وتركته – أي الفرس – لم آت أهلي إلى الليل " أي لبعد المكان (١) .

وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: باب: إذا انفلتت الدابة في الصلاة، وقال قتادة: إذا أخذ ثوبه يتبع السارق، ويدع الصلاة " (٢) ، وفقه البخاري يتجلى في تراجمه.

وعلق عليه الأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله فقال: مشاهدته أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعددة، استخلص منها أن من مقاصد الشريعة التيسير، فرأى أن قطع صلاته من أجل إدراكه فرسه، ثم الرجوع إلى استئناف صلاته، أولى من استمراره على صلاته مع إضاعة فرسه؛ لما في ذلك من شديد الحرج، فهذا المقصد بالنسبة لأبي برزة مظنون ظنا قريبا من القطع (٣) .

وإن ظهر للأستاذ الإمام فيما عقب به على هذا الحديث الحرج الشديد في إضاعة الفرس، فإن الحرج يسير في الوصول إلى المنزل متأخرًا، وأيسر منه إضاعة الثوب، ولكن سيدنا قتادة رضي الله عنه يقول: إذا أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع الصلاة.

وإذا كانت الصلاة يقطعها من أجل أن لا يدرك أهله متأخرا، أو من أجل ثوب أخذه سارق، أو من أجل متاع وغيره يخشى أتلافه، أفلا يرخص للحاج أو المعتمر وهو يعاني مشاق السفر التي وصفت في تأخير إحرامه إلى جدة، والصلاة عماد الدين والفيصل بين الكفر والإيمان، وأفضل من الحج ومقدمة عليه، قال الشهاب القرافي رحمه الله: " تقدم ركعة من العشاء على الحج، إذا لم يبق قبل الفجر إلا مقدار ركعة العشاء والوقوف. قال أصحابنا رحمهم الله: يفوّت الحج ويصلي. وللشافعية رحمهم الله أقوال: يفوّتها ويقدم الحج لعظم مشقته، يصلي وهو يمشي كصلاة المسايفة، والحق مذهب مالك لأن الصلاة أفضل، وهي فورية إجماعا (٤) .

ولو أعمل الفقهاء المخرّجون على أقوال الأئمة فيما يَجِدُّ من المسائل النظرَ مليا، فيما كان عليه سلفنا الصالح من مراعاة مقصد التيسير؛ لَيَسَّرُوا على المسلمين ولم يعنتوهم.


(١) ابن حجر. السابق.
(٢) البخاري، الجامع الصحيح مع الفتح: ٣/٨١.
(٣) مقاصد الشريعة الإسلامية: ١٨.
(٤) الفروق: ٢/٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>