للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - يعمل على الإشكال في مسألة اقتضاء حاكمية الله وملكية الطاعة له.

ونلاحظ على هذا الأسلوب:

١ - أن الأمر الثاني قد تمت الإجابة عليه، وأكدنا أن قدرة العقل على معرفة الله ولزوم إطاعته، لا تستلزم مطلقًا قدرته على المعرفة العملية بكل الغايات الإنسانية والوسائل التي تحققها، على أن الشارع المقدس يبقي للعقل مجالات واسعة للإبداع والابتكار العلمي، بل مجالات للإبداع التشريعي في الجانب المتغير من حياة الإنسان، وكذلك في انتخاب الأسلوب التطبيقي للحكم الشرعي، فلا يؤدي إذن القول بإقامة الحياة على أساس من شريعة الله لتعطيل العقل الإنساني، وإنما لسد عجزه في المعلومات، وتقوية نشاطه الفعال في المجالات الإنسانية. من المعوقات التي ذكرها الكاتب في أطروحته الأبستمولوجية الثانية حقيقة قائمة، ولكن يجب أن يضاف إليها جهل الإنسان بأكثر المعلومات والعلاقات الدخيلة في شكل نظام، بل هو يجهل ذاته نفسها، فكيف يمكنه التغلب على هذه النقائص؟

والغريب أنه يقول إذا كانت هذه معوقات عن المعرفة العملية فلماذا لا تعيق المعرفة الدينية؟ متغافلًا عن أن المعرفة الدينية هي من مقتضيات الفطرة بميولها نحو التدين، ونزوعها نحو الكمال، وبإمكاناتها العقلية الكلية، فهي تكفي للوصول إلى الله، وهذا شيء يختلف عن معرفة كل أبعاد النظام الاجتماعي والتشريعي للإنسان.

٢ - النقاش في الأمر الأول صغروي، فنحن ندعي أن النظم التي طرحها الإسلام هي نظم متكاملة وشاملة لمجمل المشكلات الحياتية، وتمتلك كل مقومات (النظام) ، فهي أبعد من أن تكون مجرد تعلميات كلية ومبادئ عامة، وقد رأينا الكاتب نفسه لا يكتفي بهذه الحجة التي منحها هؤلاء له، وإنما يعمل على انتزاع الخصيصة الإسلامية لهذه المعايير، وتجريدها من خصوصياتها لتنسجم مع ما يسميه بـ (الكونية الإسلامية) ، وكأن الكونية الإسلامية لا تنسجم حتى مع طرح المعايير الكلية بخصوصياتها الإسلامية.

إن التعامل المنطقي يقتضي أن نناقش القضية على المستوى الإنساني فنقول: هل تستطيع هذه المبادئ أن تطبق على المستوى الإنساني العام؛ بغض النظر عن الاختلافات العرقية أو اللغوية أو المكانية أو الزمانية أم لا؟ بدلًا من أن نفترض ضرورة تطبيقها مع حذف صفتها الإسلامية.

إنها معايير تنسجم مع الفطرة الإنسانية، وهي واحدة في الجميع لأن الفطرة هي الشاخص الإنساني الأول.

والغريب أنه يدعي أن رجوعنا إلى الاعتبارات العقلانية هي أسهل من الرجوع إلى النصوص، وقد أشرنا من قبل إلى أن الاعتبارات العقلانية مبتلاة بمعوقات كثيرة، تجعل المعرفة العلمية الكاملة شبه مستحيلة، بل مستحيلة فعلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>