للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ عبد الستار أبو غدة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الصيانة يمكن تخريجها على عقد الجعالة بالرغم مما أثير من الشبهات، وهذه التفرقة بين الإجارة والجعالة تخدم هذا الموضوع، لأن الإجارة عمل معلوم وأجر معلوم، أما الجعالة فالأجر معلوم والعمل مجهول، ولكن تحدد نتيجته وأثره، والأمثلة على الجعالة تبين قربها من موضوع الصيانة، فمثلا حينما يستأجر الإنسان شخصًا لحفر بئر، هذا ليس من الإجارة لأن العمل غير معلوم فقد يحفر عشرة أمتار فيصل إلى الماء وقد يحفر مائة متر، ولكنه ملتزم بالأثر الذي يترتب على هذا العقد، وهنا في عقد الصيانة محل العقد هو العمل، ولكن العمل ليس بالضرورة أن يكون معالجة فقد يكون فحصًا، فالصيانة تتطلب دائما فحص الأجهزة أو المعدات أو البناء، وهذا الفحص عمل وهو أساسي ويحتاج إلى خبرة فنية لتقرير صلاحية المعدة أو المنشأة أو عدم صلاحيتها، هذا يتلو، ثم الفحص المعالجة والإصلاح للعيب الذي يظهر ويتأكد فنيا، فالجعالة تصلح أن تكون تكييفا شرعيا لعقد الصيانة لأن العمل غير معلوم لكنه محدد بالنتيجة والأثر وهو بقاء الشيء صالحا، والاستفادة من خبرة الصائن في فحصه ومعالجته لكي يستمر على صلاحيته.

هذا من حيث محل العقد الذي هو العمل. فضيلة الشيخ السلامي قال بأن عقد الجعالة غير لازم، وهذا فيه تفصيل لأن عقد الجعالة إما أن يوجه إلى معين، وإما أن يوجه إلى قوم غير محصورين، فالذي يطلق إيجابا موجها للجمهور ويقول: من يفعل الأمر الفلاني له جعل كذا أو جائزة كذا، هذا غير لازم أن الذين خوطبوا ليسوا ملتزمين، إلا إذا شرعوا، فإذا شرعوا يثبت لهم حق بهذا الشروع، ولكن إذا كان عقد الجعالة أو الإيجاب موجها إلى شخص معين فهذا عقد لازم لأنه لا يفترق عن الإجارة إلا في هذه الخصيصة، وهي عدم معلومية العمل، فالإجارة العمل فيها معلوم، أما الجعالة فالعمل فيها غير معلوم لكنه محدد بالأثر والنتيجة، ويشبه هذا ما نص عليه الفقهاء في المعالجة لبدن الإنسان، وهي صيانة للنفس، فقد أجاز عدد من الفقهاء اشتراط البرء على الطبيب، فالعمل غير معلوم، لأنه قد يضع سماعته ويعطيه دواء بسيطا فيشفى، بإذن الله، أو يستمر معه وقتا طويلا ولكنه ملتزم بالأثر وهو البرء، فهذا يشبه كثيرا إصلاح الأشياء، وهذا الأمر قد استفيد منه هذا التكييف وهذه المسألة في موضوع التأمين الصحي أو التأمين الطبي، فخير ما يؤسس عليه التأمين الطبي هو عقد الجعالة.

وقد عرض هذا الأمر في إحدى ندوات البركة وشارك في هذه الندوة فضيلة الشيخ السلامي، الشيخ الصديق وأبدوا بعض الملاحظات بالنسبة للأدوية والعمليات الكبيرة أنها لا تدخل في مفهوم الصيانة العام وهذا الأمر يمكن الاتفاق عليه، وعقود الصيانة فيها تفصيلات فيبين فيها عمل الصائن ومن الذي يتحمل هذه القطع، وتصنف هذه القطع إلى قطع تشغيلية وزيوت وحاجات مغتفرة وإلى أمور كبيرة تحدد أثمانها في عقد الصيانة ويطالب المستفيد من الصيانة بأن يسدد ذلك الثمن.

فإذن عقد الجعالة يصلح تكييفا لعقد الصيانة المنفصل. أما إذا كانت الصيانة مقترنة ببيع معدة أو إنشاء منشأة، فهناك احتمال تكييف آخر، وهي أن تظل هذه الصيانة امتدادا للالتزام الذي يترتب على البائع بضمان العيوب الخفية، لأن المنشأة أو الآلة لها عمر زمني فهو يقول: هذه للسيارة أو هذه الساعة تصلح لمدة سنة أنا أضمنها، هذا ضمان للعيوب الخفية، فإذا حصل خلل في هذا الضمان فإنه يلتزم به بأثر العقد الذي دخل فيه وهو البيع. وكما تعلمون في العيوب الخفية يمكن للبائع أن يتبرأ منها ويبيعها بحالتها الراهنة بدون التزام بالتعويض عن العيب أو بإزالته، وقد لا يكون هناك اشتراط البراءة، فهنا لا يكون اشتراط البراءة بل يحدد هذا الالتزام بمدة كأنه يقول: أنا أضمن ألا تكون هناك عيوب خفية، وهذا الضمان ونفي البراءة باقٍ لمدة سنة مثلا أو سنتين، وبهذا لا يكون هناك بيع وشرط ولا يكون هناك جمع بين عقدين أو صفقتين. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>