بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
فإن صور بيع الدين بالدين وإن كانت متشابكة وكثيرة ومعقدة في الظاهر، حتى إن بعضهم أوصلها إلى ثلاث وأربعين مسألة، كل هذه الصور ما هي إلا معدومة للمبادئ العامة التي يقوم عليها الشرع الشريف.
وحينئذ ينبغي أن نصرف النظرة من هذه الصور وأن نتجاوز المصطلحات، التي هي غريبة عن مفهومنا في العصر الحاضر من مثل بيع الساقط بالساقط، والساقط بالموجب وبالعكس، وغير ذلك، مثل هذه الأمور التي توقعنا أيضًا في شيء من الإشكالات. وحينئذ جمهور العلماء قرروا – وينبغي أن نكتفي بقرارهم – بأن بيع الدين للمدين جائز، ولا إشكال في هذا ما لم يكن هناك تأجيل فيوقعه في ربا النسيئة.
وكذلك بيع الدين بالدين لغير المدين، هذا عند الجمهور غير جائز، لأنه مما ينطبق عليه ربا النسيئة، وهو الذي لاحظه العلماء وقصدوه عند كلامهم عن بيع الكالئ بالكالئ، وأن الإمام أحمد حينما قرر قبول هذا الحديث بسبب إجماع العلماء الواقع كان قراره حكيمًا وصحيحًا، وأن هذه الصور المستحدثة ما هي إلا فيها تطبيق لبيع الكالئ بالكالئ، وبالتالي لا تجوز هذه الصور.
أما ما ذكر عن الشافعية عن أربعة أقوال، ففي الحقيقة إما أن نقول كما فسر الدكتور سامي حمود أن هذا الخلاف بينهم لفظي، وإما – وهو الأرجح – أن نقرر أن مذهب الشافعي المعتمد كما حرر الإمام النووي وعندنا هو الحجة فيما رجحه يقول: لا يجوز بيع الدين لغير المدين وفي الأظهر أي من قولي الإمام الشافعي. وأما بقية هذه الأقوال والتي أخذتها بعض الدول مستندًا للقول بجواز بيع الدين بالدين وبالتالي الوقوع فيما حرم الله مما سموه بيع سندات الدين فهذا ينبغي أيضًا أن نحذره وأن لا ننسب ذلك للشافعية لأن الشافعية في هذا الأمر بكل وضوح قرروا عدم الجواز والمعول على المفتى به والمعتمد في هذا الموضوع.
قضية البدائل عن بيع الدين بالدين، الحقيقة خصوصًا صورة بيع الكمبيالة أو حسم الكمبيالة أو ما شاكل ذلك، ما وصف به فعلاً من براعة زميلنا وأخينا الشيخ تقي العثماني لا شك أن هذه براعة بالتخريج لكننا نحن لا نطمئن إلى هذا التخريج ونقول بكل صراحة: إن بيع الكمبيالة ما هو إلا صورة من صور الربا، ولا يجوز أن تتخذ جسورًا للربا مثل بيع العينة المتخذ جسرًا للربا، أن نتخذه وسيلة للقول بحل هذا النوع من المبايعات، لأن هذه الحيل وهذه التخريجات ما هي إلا جسور، وما هي إلا تبريرات في الحقيقة لا تغير من حقيقة البيع وهو بيع الدين سواء كان بيع الدين المؤجل بأكثر منه أو بأقل منه أو بمساوٍ، هو في الحقيقة من جملة الربا، وبالتالي لا نطمئن إلى هذه التخريجات وأنه في الواقع ينبغي أن تطبق القواعد العامة في مثل هذا الأمر.