بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الشكر للمجمع الكريم إدارة وأمانة على إتاحة الفرصة لنا لنستفيد ونلتقي بهذه الوجوه المباركة إن شاء الله , والشكر موصول للسادة الباحثين من الأساتذة الكرام على بحوثهم القيمة وعروضهم الشيقة، فجزاهم الله عنا خيرًا، حيث استفدنا من هذه البحوث الفقهية والطبية الكثير والكثير.
بعد هذه المناقشات الطيبة والمداخلات أعتقد أن هناك عدة معايير وموازين مختلف فيها بين الفقهاء تحتاج إلى تحرير محل النزاع - وكما تفضل الشيخ صالح - وتحقيق المناط وتنقيحه وتخريجه. على سبيل المثال الخلاف لا يزال يدور حول معيار الجوف أو المجوف، هل هو المعدة أو الجهاز الهضمي أو كل ما هو مجوف داخل الجسم؟ فجمهور الفقهاء لم يعقلوا الإفطار بدخول الشيء في المعدة، هذا حسب علمي، وإنما هو بالجوف، والجوف مختلف فيه كما رأينا وكما دلت البحوث. فالشافعية عمموا الجوف ليشمل المعدة وخريطة الدماغ والمثانة وعن طريق أي منفذ من المنافذ، وكذلك المالكية والآراء موجودة عند حضراتكم، حتى الأطباء في الأخير رأيناهم قد اختلفوا في معنى الجوف، هل هو المعدة أم الجهاز الهضمي؟ وبالتأكيد فالمعيار أو العِلِّية لو اعتبرناه الجوف فهو محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين والقدامى وحتى نوعًا ما بين الأطباء. هذا من جانب.
والجانب الآخر أن الصوم كما قال الإخوة الكرام يدخل في باب العبادات، وباب العبادات مبناه على التوقف، وهل نجعل باب الصوم أيضًا مثل العادات التي يكون مبناها على المعقولية والعلية، وحينئذ يكون لنا مجال في مسائل الصيام، أم أننا لا نتعامل مع الصوم معاملة العبادات أو العادات في الاعتماد على العلية والقياس؟ ومن جانب آخر أن النص الشرعي حقيقة في القرآن الكريم لم يحدد بصورة قاطعة أن المراد بالمحل الذي يحل فيه الداخل، فالقرآن الكريم يأمر بالأكل والشرب والمباشرة في الليل، فقال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، ولكن عندما يتحدث القرآن الكريم عن بيان الصوم لا يقول: لا تأكلوا ولا تشربوا , وإنما يقول:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} , فهذا التغيير في الأسلوب في القرآن الكريم لا أعتقد يأتي دون فائدة أو حكمة، فلو كان المقصود - والله أعلم - أي عبارة يريدها الله سبحانه وتعالى، لكن قال {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} . وكذلك بالنسبة للفظ الصيام الذي ورد في الآية الكريمة محلى بـ (ال) ، وهو كما يعرفه الأصوليون إما للعموم أو هو مطلق أو للعهد، وحينئذ إذا قلنا للعهد يعني الإمساك عما ذكر، وهذا ربما - والله أعلم - يكون بعيدًا، وغالبًا أما للعموم وإما للإطلاق.