للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النقطة الثانية تتعلق بالامتصاص والمذاق , الامتصاص لا يعني الأكل والشرب , أطباء العصر يعرفون أن الماء والأدهان وكثيرًا من الأدوية تمتص من داخل الجلد ومن باطن الفم، ولم يرد نص بتفصيلها , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو صائم، وأمر بالإدهان دون تمييز بين صائم ومفطر، وعد المضمضة غير مفطرة , فما يمتص من سائر الأماكن - سائر الأعضاء - ينبغي في رأيي أن ينظر إليه بالنظرة نفسها.

موضوع الذوق , الحلق ليس محلًّا للذوق، وإنما محل الذوق الحليمات الذوقية التي توجد على أواخر اللسان أو على جوانب اللسان. فقولهم: (وجد طعمه في حلقه) غير مفهوم بالنسبة لطب اليوم، وإنما الذوق في هذه الحليمات. لكن هناك قضية بسيطة تتعلق بالامتصاص , الدواء الذي يمتص قد يكون له طعم قوي جدًّا، هذا يمتص إلى الدورة الدموية فيدور ويصل بعد ذلك إلى اللسان فيحس المرء بطعمه، هذا ليس معناه أنه قد وصل إلى الجوف بالمعنى الذي ذكرناه، ولكن معناه أنه قد دار في الدورة الدموية ووصل إلى حليمات الذوق التي هي في اللسان , هذا أمر أعتقد أننا لو أبقيناه في ذكرنا لساهم في تحرير المناط.

ما يمتص من جوف الفم شيء مهم , كان الناس يظنون قديمًا أنه لا يمتص شيء، وأن كل شيء ينبغي أن يصل إلى جوف المعدة حتى يمتص , الحقيقة أن كثيرًا من المواد تمتص في جوف الفم، وهذا ينطبق - والله أعلم - على كل هذه القطرات الصغار التي تحدثنا عنها أنها توجد بمقادير صغيرة جدًّا كالذي يأتي من قطرة العين ومن قطرة الأنف ومن قطرة الأذن ومن البخاخ وما شابه ذلك، هذه كلها إن وصل منها شيء إلى جوف الفم فإنها تمتص من باطن غشاء الفم ولا يصل منها إلى المعدة شيء , هذا شيء نستطيع أن نتحقق منه بالتجارب التي نَسِمُ بها بعض هذه المواد بمواد مشعة فما يصل إلى المعدة من المضمضة لو وسمنا ماء المضمضة بمادة مشعة ثم بحثنا عن هذه المادة المشعة في المعدة لوجدنا منها شيئًا أكبر بكثير مما يمكن أن يوجد من مادة وسمناها وقطرناها في العين أو الأنف أو الأذن، وما نقطره في الأذن لا يصل بحال إلى جوف الأنف أو جوف الفم.

<<  <  ج: ص:  >  >>