النقطة الثالثة تتعلق بتعريف الشاطبي - رحمه الله تعالى - الرخصة، فهو قد عرف الرخصة وقال: لعذر شاق. وانتقد الشاطبي - رحمه الله تعالى - الأصوليين أو العلماء بأنهم عرفوا وبينوا وقالوا: هو ما أبيح لعذر. واكتفوا بكلمة (عذر) ، ولذلك جعل الشاطبي - رحمه الله تعالى - هذا التعريف غير مانع لدخول المساقاة والقرض والسلم، رغم أن هذه العقود لا تسمى رخصة. والذي أريد أن أقوله: هو أن تعريف الشاطبي - رحمه الله تعالى - قد تناول كلمة (شاق) ووصف العذر بأنه شاق، وهو نفسه - رحمه الله تعالى - قد بين أن المشقة مضطربة، وكما ذكر أيضًا سماحة الشيخ السلامي أن المشقة مضطربة، ولذلك لما كانت المشقة مضطربة أقام الشارع السفر مقامها. والتعريف ينبغي أن يخلو من المضطربات نظرًا لأن التعريف الغرض منه الوصول إلى المعرف وتمييز المعرف عن غيره، والتمييز لا يتأتى إلا بالمحدد. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نقده لتعريف العلماء إنما عرفوه:(هو ما أبيح لعذر) فقط، وما وصفوا العذر بالشاق. بين أن التعريف غير مانع نظرًا لعدم وجود قيد (الشاق) فيه. والذي أريد أن أقوله: هو أن كلمة (عذر) في هذا التعريف مطلقة، والمطلق - كما هو القاعدة الأصولية - ينصرف إلى الفرد الكامل، وبما أن الشارع شرع الرخص للتخفيف، وإزالة المشقة فالمقام يقتضي أدن يكون الفرد الكامل، فإن العذر يكون موصوفًا بالشاق وإن لم يذكر، بل كلمة (العذر) في هذا المقام تغني عن ذكر (الشاق) .
فإذا كان الذي روعي هو مطلق العذر فدخول المساقاة والقرض وما إلى ذلك، نعم يدخل ولكن إذا قيدنا العذر بالشاق فإن هذه العقود لا تدخل. ولكن هل ينظر إلى العذر بالنسبة لفرد خاص أم أنه ينظر إليه بالنسبة للكل (للأمة) ، يعني المشقة بالنسبة للأمة؟ وأعتقد أنه من المعروف أن هذه العقود لو لم تكن شرعت للحق الضيق والحرج الأمة باعتبارها مجتمعًا متكاملًا، وعندئذ ينبغي إذن أن تدخل هذه العقود في تعريف الرخصة إذا نظر إلى المجتمع باعتباره كلًّا، وإذا كان ينظر إلى الفرد فإن العذر نظرًا إلى انصرافه إلى الفرد الكامل فإنه لا يدخل.
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير، وأن يلهمنا الصواب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.