للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك لو جرح نفسه أو جرحه غيره باختياره فوصل إلى جوفه سواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه. وبهذا كله قال الشافعي. وقال مالك: لا يفطر بالسعوط إلا أن ينزل إلى حلقه، ولا إذا داوى المأمومة والجائفة. واختلف عنه في الحقنة (الشرجية) . واحتج بأنه لم يصل إلى الحلق منه شيء، أشبه ما لم يصل إلى الدماغ ولا الجوف. ولنا أنه واصل إلى جوف الصائم باختياره فيفطره، كالواصل إلى الحلق. والدماغ جوف والواصل إليه يغذيه، فيفطره كجوف البدن ". (١)

ثم ذكر ابن قدامة الكحل فقال: " فآما الكحل فما وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله إليه فطر وإلا لم يفطر ... ". وبنحو ما ذكرناه قال أصحاب مالك، وعن أبي ليلى وابن شبرمة أن الكحل يفطر الصائم، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اكتحل في رمضان وهو صائم، ولأن العين ليست منفذًا فلم يفطر بالداخل منها كما لو دهن رأسه , ولنا أنه وصل إلى حلقه ما هو ممنوع من تناوله بفيه، فأفطر به كما لو أوصله من أنفه. وما رووه لم يصح، قال الترمذي: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب الكحل للصائم شيء ".

" وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع الريق لا يفطره لأن ذلك يشق عليه فأشبه غبار الطريق وغربلة الدقيق، فإن جمعه ثم ابتلعه قصدًا لم يفطره , وفيه وجه آخر أنه يفطره لأنه أمكنه التحرز منه، أشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق، والأول أصح. فإن خرج ريقه إلى ثوبه أو بين أصابعه أو بين شفتيه ثم عاد فابتلعه أو ابتلع ريق غيره أفطر ".

وهكذا قال أيضًا في النخامة والقلس والقيء إذا ازدرده أفطر وإن كان يسيرًا.

" وإن قطر في إحليله دهنًا لم يفطر، سواء وصل إلى المثانة أو لم يصل ".

وإذا قبل فأمنى أو أمذى فلا يخلو المقبل من ثلاثة أحوال: (أحدها) أن لا ينزل فلا يفسد صومه بذلك. و (الثاني) أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه ولأنه أنزل مباشرة، فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج. و (الثالث) أن يمذي فيفطر عند إمامنا ومالك. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر، وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي، لأنه خارج لا يوجب الغسل فأشبه البول ".

ثم قال: " إن المفسد للصوم من هذا كله ما كان عن عمد وقصد، فأما ما كان منه عن غير عمد وقصد الغبار الذي يدخل الحلق من الطريق ونخل الدقيق، والذبابة التي تدخل حلقه، أو يُرش عليه الماء فيدخل مسامعه أو أنفه أو حلقه، أو يلقى في ماء فيصل إلى جوفه، أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة، أو يصب في حلقه أو أنفه شيء كرهًا، أو تداوى مأمومته أو جائفته بغير اختياره أو يحجم كرهًا، أو تقبله امرأة بغير اختياره فينزل أو ما أشبه هذا لا يفسد صومه لا نعلم فيه خلافًا ".

ثم قال: " إنه متى أفطر بشيء من ذلك (أي مما تقدم ذكره) فعليه القضاء لا نعلم في ذلك خلافًا؛ لأن الصوم كان ثابتًا في الذمة فلا تبرأ منه إلا بأدائه ولم يؤده، فبقي ما كان عليه، ولا كفارة في شيء مما ذكرناه في ظاهر المذهب. وهو قول سعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين وحماد والشافعي. وعن أحمد أن الكفارة تجب على من أنزل بلمس أو قبلة أو تكرار نظر لأنه إنزال عن مباشرة، أشبه الإنزال بالجماع ".

ومن استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه.

ومن ارتد عن الإسلام فقد أفطر. ومن نوى الإفطار فقد أفطر. اهـ.


(١) المغني، لابن قدامة: ٣/ ٣٧ - ٦٤ وليس الدماغ داخلًا في تعريف الجوف كما أسلفنا في الفصل الأول، وبالتالي فإن ما وصل إلى الدماغ لا يعتبر مفسدًا للصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>