للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن للمرء أن يتساءل، عما إذا كان من الممكن تصور نقود سلعية، تهبط فيها قيمتها الاصطلاحية، بغير أمر السلطان، ففي ظل نظام نقدي، توجد فيه عملات سلعية متعددة – ولتكن من الذهب والفضة والنحاس مثلًا - يمكن للعملة المكونة من سلعة رخيصة أن تهبط قيمتها الاصطلاحية، إذا كثر العرض منها، ولم يدعمها السلطان، بأن يفرض لها قوة إبرائية تعادل قيمتها الاصطلاحية، أو بقبول مبادلتها بالعملة المكونة من المعدن الثمين، حسب سعر الصرف الاصطلاحي، أو الرسمي، الذي يفرضه السلطان نفسه، فإذا حصل هبوط في القيمة الاصطلاحية لنقد سلعي، مكون من معدن رخيص، في ظل الظروف المذكورة، فإن رغبة الناس عن التعامل بها، سيؤدي إلى انعدامها من الأسواق، إلى أن يصل سعرها الاصطلاحي إلى ما يعادل سعرها النقدي وعندئذ ستعود إلى الرواج بالسعر الجديد ولعل هذا هو ما يفسر قول بعض الفقهاء باحتمال عودتها إلى الرواج (١) .

٩ - الصورة التاسعة:

ترك الناس التعامل بالعملة، مع عدم وجودها في الأسواق.

وهذه الصورة هي أشبه بحالة منع السلطان التعامل بالعملة، ولكنها تحصل لعزوف الناس عن العملة، بسبب ضعفها، أو بسبب توقع رخصها في المستقبل، وبخاصة إذا كان مع الرخص عدم اطمئنان إلى مقدار الرخص المتوقع (٢) . والعملة التي يتركها الناس، تنعدم من الأسواق، وقد تبقى عند الصيارفة وفي البيوت وفي بلدان أخرى، ووجودها في البلدان الأخرى يبقي لها على سعر نقدي، إذ يمكن بواسطتها شراء سلع وخدمات من بلدان رواجها.

أما إذا انعدمت من جميع البلدان، وبقيت عند الصيارفة وفي البيوت، فإن سعرها كنقد ينعدم أيضًا، فيتكون لها سعر سلعي يرتبط بعوامل عديدة، منها الندرة، والقيمة الأثرية التاريخية، ومقدار ما فيها من معدن، وسعره في السوق.. إلخ. وهذه الصورة تمثل حالة الكساد النموذجية كما وصفها ابن عابدين. وتستدعي المعالجة الفقهية المعروفة، كما هي مفصلة في بطلان العقد على قول الإمام، أو استحقاق قيمة النقد الكاسد عند كساده، أو عند العقد أو القبض، على قولي الصاحبين.


(١) تنبيه الرقود ص٥٦
(٢) يلاحظ أننا نتحدث عن ترك للتعامل بعد رواج سابق، لأنه إذا لم تشترط الرواج السابق، فإن الأصل عدم تعامل الناس بعملات بلدان بعيدة لا يعرفون عملاتها، أو بعملات لهم عنها غنى في بدائلها الرائجة

<<  <  ج: ص:  >  >>