للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخيراً فقد لخص السيوطي الأحكام الخاصة بالذهب والفضة في عدة أحكام منها: أنه لا يكره المشمس –أي الماء الماكث تحت الشمس- في أوانيهما لصفاء جوهرهما. ومنها أنه يحرم استعمال أوانيهما للحديث، والعلة فيه: الخيلاء، أو تضييق النقود؟ قولان: أصحهما الأول: ومنها أنه يحرم الحلي منهما على الرجال ما يستثنى، ومنها اختصاصهما بين المعادن بوجوب الزكاة فيهما –أي نص الشارع عليهما وعلى مقدارهما- ومنها: أن الربا يجري فيهما، دون الفلوس، ولو راجت في الأصح عند الشافعية، ومنها أن المضروب منهما مختص بكونهما قيم الأشياء، فلا تقويم بغيرهما، ولا يبيع القاضي والوكيل والولي مال الغير إلا بهما، ولا يفرض مهر المثل إلا منهما" (١)

هل نقودنا الورقية مثلية عند انهيارها؟

أولاً: رأينا، فيما سبق أن المراد بالمثلي والقيمي يختلف من باب فقهي إلى آخر، فقد رأينا أن معنى المثلي في باب الحج يختلف عن معناه في باب الغصب أو القرض، وهكذا مما يدفعنا التفكير فيه إلى القول بأن الدافع وراء هذا التقسيم هو الوصول إلى معيار مرن، وإلى أقرب شيء يحقق العدالة والتوازن بين الشيء المطلوب، والشيء الذي ينبغي أن يرد بدله، فهذا من باب ميزان الشيء بشبهه ونظيره (فقس الأمور بأشباهها) ولذلك، صرحوا بأن "أقرب الشيء إلى الشيء الذي أتلف، هو مثله إذا كان من المثليات أو قيمته إذا لم يكن له مثل" يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه عن عوض المثل: "وهو أمر لا بد منه في العدل الذي به تتم مصلحة الدنيا والآخرة، فهو ركن من أركان الشريعة.. ومداره على القياس والاعتبار للشيء بمثله، وهو نفس العدل.. وهو معنى القسط الذي أرسل الله له الرسل" (٢)

بل إن ابن القيم جعل الوقوف عند التشابه الظاهري، دون الغوص في الحقائق والعلل والمقاصد من الشبه الذي "لم يحكه الله سبحانه إلا عن المبطلين.. الذين لم يجمعوا بين الأصل والفرع بعلة ولا دليل، وإنما ألحقوا أحدهما بالآخر من غير دليل جامع سوى مجرد الشبه الجامع.. والقياس بالصورة المجردة عن العلة المقتضية للتساوي، هو قياس فاسد" (٣)

ويؤكد ذلك أن الفقهاء –على الرغم من وضع هذه القاعدة- قاموا باستثناءات كثيرة، تكاد تكون قاعدة، تنصب على أن كل ما لا يحقق هذه العدالة لا تطبق عليه هذه القاعدة. قال السيوطي: "اعلم أن الأصل في المتلفات ضمان المثل بالمثل، والمتقوم بالقيمة، وخرج عن ذلك صور في باب الغصب".

إحداها: المثلي، الذي خرج مثله عن أن يكون له قيمة كمن غصب، أو أتلف ماء في مفازة، ثم اجتمعا على شط نهر، أو في بلد، أن أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء، فليس للمتلف بدل المثل، بل عليه قيمة المثل في تلك المفازة أو في الصيف.


(١) الأشباه والنظائر ص (٣٩٨)
(٢) مجموع الفتاوى (٢٩/٥٢٠-٥٢١)
(٣) إعلام الموقعين ١/١٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>