للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني

نوع التضخم الذي يعتبر كساداً

إذا نظرنا في أنواع التضخم التي ذكرناها ومن قبل نجد نوعين لا يدخلان في مفهوم الكساد عند جميع الفقهاء، والنوع الثالث فقط هو الذي يعد كساداً في مراحله الأخيرة.

فالتضخم في ظل قاعدة الذهب يعتبر انخفاضاً في قيمة النقود وليس كساداً. وقول الاقتصاديين هنا: إن التوسع في الائتمان الذي يؤدي إلى هذا التضخم، يكون توسعاً معتدلاً، ويمكن مراقبته، هذا القول يذكرنا بما ذكرناه من قبل في الاستقرار النسبي للنقود السلعية. فالنقود الورقية، وإن كانت نقوداً ائتمانية، غير أنها عندما كانت في ظل قاعدة الذهب كانت أشبه بالنقود السلعية بصفة عامة، والذهبية بصفة خاصة، وهي أعلى مرتبة في النقود.

والنوع الثاني من التضخم وهو الدائم (أو المتسلق أو الزاحف) لا يعد كساداً وإنما هو انخفاض في قيمة نقود لم يبطل التعامل بها، فلم يبطلها السلطان، ولم يترك الناس التعامل بها، ولذلك لا ينطبق عليها مفهوم الكساد عند جميع الفقهاء.

ومفهوم التضخم هنا يختلف عن مفهوم انخفاض قيمة الفلوس والدراهم غالبة الغش عند أبي يوسف الذي قال بوجوب القيمة خلافاً للجمهور: ويظهر الاختلاف واضحاً جليًّا إذا نظرنا إلى قياس التضخم عند الاقتصاديين وتقدير القيمة عند أبي يوسف.

فقد رأينا الطريقة الجزافية التي يتبعها الاقتصاديون لقياس التضخم، ومعرفة مدى انخفاض قيمة النقود بالنسبة للسلع، أما أبو يوسف فهو كباقي الحنفية ينظر إلى انخفاض قيمة الفلوس والدراهم غالبة الغش بالنسبة للنقود من الذهب والفضة وليس بالنسبة للسلع، كأن يكون الدرهم ثلاثين فلساً فأصبح خمسين، دون نظر إلى القوة الشرائية للدرهم نفسه، وهذا يشبه النقود المساعدة في عصرنا، كالقرش بالنسبة للجنيه المصري، والفلس بالنسبة للدينار الكويتي، والهللة بالنسبة للريال السعودي، وهكذا فإذا انخفضت قيمة النقود المساعدة بالنسبة للعملة الرئيسية، وأخذنا برأي أبي يوسف، وجب دفع عملة مساعدة تعادل العملة الرئيسية، فالثلاثون فلساً في المثال السابق تدفع خمسين لتعادل درهماً بعد أن أصبح خمسين، أما رجال الاقتصاد فإنهم ينظرون إلى القوة الشرائية للدرهم نفسه.

أما النوع الثالث، وهو التضخم الجامح فإنه يعتبر كساداً في مراحله الأخيرة عندما تصبح النقود عديمة القيمة، وحينئذ يقتضي الأمر إصدار عملة جديدة لتحل محل العملة القديمة.

ومعنى هذا أن التضخم مهما زادت نسبته فلا يعد كساداً ما دام الناس يقبلون النقود التي انخفضت قيمتها، ولم يتركوا التعامل بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>