وقد تطرق بحثي مع بحث فضيلة الدكتور عبد الستار إلى حكم الاستثمار التكليفي ولكنهما اختلفا. فذهب الدكتور عبد الستار إلى أن الاستثمار يكون واجباً إذا كان هو الوسيلة لنمو ماله للوفاء بحاجة الإنسان ومن يعيلهم، وأما الاستثمار بمعناه العرفي الشائع –أي تنمية المال - حكمه الإباحة عنده أو الندب. في حين ذهبت إلى اختيار القول: بأن الاستثمار في مجموعه واجب، أو بعبارة الفقهاء إنه من فروض الكفايات، فقد لاحظت متطلبات الأمة أيضاً مع الفرد كما لاحظ فضيلة الدكتور متطلبات الفرد فقط. ومعنى كلامي: أن وجوب الاستثمار ليس متعيناً في حد ذاته إلا إذا كان هو الوسيلة للوفاء بقضاء حاجياته والتزاماته؛ وذلك لأن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة تدل على أهمية المال وتقديمه على الأنفس في أكثر من آية، وجعلت هذه النصوص المال قياماً للمجتمع {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا}[النساء: ٥] ، والقيام كما يقول اللغويون أي أن الأمة لا تقوم إلا بالمال ولا تنهض ولا تتحرك إلا بالمال، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما أن قوله تعالى في هذه الآية:{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا}[النساء: ٥] حيث استعمل لفظ (فيها) ولم يقل (منها) يدل بوضوح –كما قال بعض المفسرين – على وجوب الاستثمار، حيث يدل على أن تكون نفقة هؤلاء في هذه الأموال في الأرباح المحصلة من الاستثمار وليست من رؤوس الأموال نفسها.
قال الإمام الرازي: اعلم أنه تعالى أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال وذكر مجموعة من الآيات، ثم قال: والعقل يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال. ثم قال: وإنما قال: (فيها) ولم يقل: (منها) لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا أموالهم رزقاً لهم، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانًا لرزقهم بأن يتحروا فيها ويثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح، لا من أصول الأموال. انتهى كلام الإمام الرازي.
ويدل على ذلك الحديث الثابت الذي رواه الشافعي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ابتغوا في مال اليتيم)) وفي رواية: ((في أموال اليتامى)) – ((لا تذهبها)) - وفي رواية أخرى ((لا تستهلكها الصدقة)) قال البيهقي والنووي: إسناده صحيح ولكنه مرسل معضد بعموم النصوص الأخرى، وكذلك بما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم. ورواه الطبراني بسند متصل عن أنس بلفظ:((اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: قال شيخي وسندي الحافظ العراقي: إن إسناده صحيح.