للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن يبدو أن كل هذه التفسيرات تتعلق بأوضاع كانت سائدة في الماضي نسبة لقوة الروابط القبلية والعصبية وتعاطف العشيرة، وهذا غير موجود اليوم على ما كان عليه آنذاك، ولذلك تطور الفقهاء المعاصرون بهذا المفهوم إلى وجه حديث من أوجه الخير وهو التعاون والإحسان الذي يراد به وجه الله وحده، وهو التأمين الإسلامي، والتأمين في هذا النظام الإسلامي لا يدخل إلا في قسم الخير الذي فيه معنى الإحسان، وتطمئن إليه النفوس، وإن مما يشرح الصدر في الإجابة على السؤال الموجه وهو: هل يمكن أن تقوم نقابة الأطباء وشركات التأمين بدور العاقلة؟

إن الأمر تعرض له سلفنا الصالح حيث قال بعضهم: إن عاقلة الجاني هم أهل حرفته ومهنته إذا لم يكن له عاقلة من الديوان أو العشيرة؛ لأنهم أهل نصرته وأهل صناعته (١) ، وعرفوا العاقلة تعريفاً عاماً قيماً فقالوا: إن عاقلة كل إنسان من يتناصر هو به إن كان من الديوان فعاقلته أهل ديوانه والصناع بعضهم لبعض (٢)

وعليه نرى أن من أعظم أوجه التعاون أن يكون الأطباء لجنة خاصة لحرفتهم، يختارون أعضاءها من أهل الأمانة والديانة والأخلاق النبيلة، ويسندون إليها إدارة صندوق يجمعون فيه رسوماً سنوية، وينوون به أن يكون إعانة منهم لمن يجب عليه الضمان نتيجة خطئه، وأن يتخذوا جميع أسباب الرقابة الشرعية والحيطة المالية، حتى إذا أصيب أحدهم بضمان يدفعه –لا قدر الله- عوضوه من مال هذا الصندوق ويكون في ذلك مثوبة لكل من ساهم في هذا العمل الذي يحول التأمين من مقامرة يحرمها الدين إلى تعاون على البر ينال به صاحبه رضا الرحمن الرحيم.


(١) الجواهر النيرة ٢/٥٥، البحر الرائق: ٨/ ٤٥٦
(٢) الفتاوى البزازية هامش الفتاوى الهندية ٦/ ٣٨٤

<<  <  ج: ص:  >  >>