للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثر الهدف في الأسباب العلاجية الوراثية

يختلف الحكم الشرعي على الإجراءات أو التصرفات الواقعة في مجال الوراثة تبعاً للهدف المبتغى من الفعل، وإن مراعاة الغاية هنا مبعثها الموازنة بين المفاسد والمصالح، أو المضار والمنافع، وهي موازنة مطلوبة شرعاً، انطلاقاً مما قرره علماء أصول الشريعة من أنه لا يوجد –إلا نادراً- ما يتمحض للنفع والصلاح دون أن تشوبه شائبة من الضرر في الدين أو البدن أو المال، وإنما تكون العبرة بالأغلب، أي حيث تتحقق المصلحة الراجحة على ما يقع من ضرر بفعلها، ويعتبر هذا من ارتكاب أخف الضررين تفادياً لأشدهما.

مراعاة سلامة الوسيلة:

فضلاً عن مشروعية الهدف لابد من مراعاة مشروعية الوسيلة أيضاً بأن تكون أمراً حلالاً يمكن به تجنب الإنسان شيئاً من المخاطر الناتجة عن الوراثة من أبيه وأمه، وهذا السعي لتحصيل النفع مأمور به في نصوص شرعية كثيرة، منها الحديث الشريف: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز ... )) .

ومن الواضح أن حرص الإسلام على الجمع بين نبل الهدف والوسيلة معاً نابع من اعتبار التكليف مستمراً وشاملاً لأي تصرف معنوي أو مادي، وأن للوسائل والإجراءات حكم المقاصد والغايات، فليس في الإسلام فكرة الغاية الصالحة تبرر الوسيلة الفاسدة، فإن التعبد والامتثال شامل للنية والفعل.. ولا يعني هذا أن يخلو الإجراء من محاذير، بل المراد أن تكون المصلحة أساسية وأن يربو ما فيها من نفع على ما يستتبع حصولها من محاذير، وأن تكون الوسيلة لتحصيلها هي في ذاتها فعل مشروع بقطع النظر عن اقترانها بالهدف والغاية.

ومن هنا يتبين أنه لا يصلح بحال من الأحوال أن يكون هدفاً مشروعاً الرغبة في التكاثر أو التشهي أو العبث أو الإفساد، وهو ما يلحظ استحواذه على معظم التجارب والتصرفات في هذا المجال بسبب الحضانة في بيئات لا تقيم لمعيار الحلال والحرام أي اعتبار.

ونخلص مما سبق إلى أن هناك ضوابط ومنارات تحوط وتنظم أي تحكم يتطلع إليه في معطيات الوراثة، ولعل أهمها: البعد عما ينشأ عنه تغيير الخلقة كالتصرفات التي تزيد أو تنقص في الطبيعة الأصلية التي فطر عليها الإنسان بداعي التجميل أو الرغبة في الحسن، أو غير ذلك من أغراض غير مشروعة؛ ذلك أن هذا التغيير قد وسمته النصوص الشرعية بأنه استجابة لأوامر الشيطان {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩] . ولا يدخل في هذا ما يقع لتلافي الضرر والأذى اللاحق بالإنسان، أو الناشئ معه بصورة مغايرة للمعتادة في جنسه، أي: لا يدخل فيه ما يستهدف به العلاج أو الوقاية.

كذلك يجب الحذر من تبديل الفطرة والسجية التي طبع الله الناس عليها من حيث الميول التي تخلق مع الإنسان قابلة للخير والشر، ومستعدة للتأثير الصالح أو التغيير المفسد، والمراد إدانة تلك التصرفات في السجايا بغير وسائل التقويم المشروعة، مما يخرج الإنسان عن إنسانيته المتكافئة في النوازع؛ ليتحول إلى الاستحذاء والطاعة العمياء، أو التمرد والجموح الشرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>