للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل العلوم التي موضوعها الطبيعة وظواهرها , والمادة وخصائصها، هي من قبيل الفكر، الذي هو مشترك إنسانى عام، وذلك لأن منهاجها تتميز بالحياد العلمى، لأن التجربة الملموسة بالحواس المادية هي السبيل لاكتشاف حقائق هذه العلوم، تلك الحقائق التي هي بنت الدليل، والتى لا تختلف باختلاف مذاهب وعقائد وأجناس وفلسفات المكتشفين، ومن ثم فهى لا تتغاير بتغاير القوميات والحضارات، بل هي واحدة على المستوى الإنسانى، كما أن موضوعاتها – المادة وظواهرها – واحدة هي الأخرى، لا تختلف ولا تتغاير باختلاف وتغاير الحضارات، فعلوم مثل الرياضيات بفروعها، ومثل الكيمياء، والطبيعة، والطب، والجيولوجيا ولم لن تختلف مناهجها وحقائقها وقوانينها باختلاف الحضارات قد تتمايز وظائف استخدام قوانينها ونظرياتها ومكتشفاتها, لكن حقائق علومها أي (فكرها العلمى) سيظل واحدًا مهما اختلفت المذاهب والعقائد والحضارات. (١)

والعقل البشرى استطاع بما اكتسب من خبرة ودربة ومرانة أن يصنف هذه العلوم, وأن يحكم ما بينها من وشائج، وأن يستفيد بما بينها من صلات وروابط.

والنتائج العلمية متصل بعضها ببعض، ويعتمد بعضها على بعض، ولهذا كانت الحضارات الإنسانية ملكًا لأمة بعينها، ولا هي وقف على جماعة من الناس؛ لأنها صرح هائل، قد اسهمت فيه كل أمة بنصيب (٢)

ويلحق بهذه المنظومة من حقائق العلوم الطبيعية الخاصة بدراسة المادة وظواهرها وأسرارها على نحو ما وإلى حد كبير العديد من ثمرات التجارب الإنسانية في الوسائل والنظم والمؤسسات والخبرات التي ترشد أداء الإنسان وهو يسعى إلى تحقيق المقاصد والغايات..

فعلى الرغم من تمايز المقاصد والغايات والمثل، فإن تجارب الإنسانية في الوسائل، والنظم، والمؤسسات قد تكون صالحة في أحيان كثيرة للاقتباس – مع التطويع – وللتمثيل، والاستلهام.

هذا عن العلوم الطبيعية والتجارب المادية التي تمثل حقائقها وخبراتها فكرًا عالميًّا هو صميم (المشترك الإنسانى)

أما الشق الآخر من الفكر، الذي يدخل في صميم الخصوصية الحضارية، التي تتمايز بتمايز الحضارات فهو ذلك الذي ينطلق من العقائد، والمذاهب، والفلسفات.

فكما تميزت علوم (المادة) الثابتة بالعالمية، فغذت حقائقها، وقوانينها (مشتركًا إنسانيًّا عامًا) تميزت، وتتميز علوم العقائد والمذاهب والفلسفات بالخصوصية الحضارية، التي تجعلها وثيقة الصلة بطبائع الأمم ومعتقدات الشعوب، وطرائقها في الحياة (٣)


(١) انظر الدكتور محمد عماره، الغزو الفكرى وهم أمة حقيقة: ص ١٦
(٢) انظر: الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، أضواء على الحضارة الإسلامية: ص ٩٢
(٣) انظر: الدكتور محمد عمارة الغزو الفكرى وهم أم حقيقة: ص ١٨.١٧ بتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>