للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(م) دليل العقل والمنطق: ومؤداه أن العقل والمنطق يقضي بأن ينسب محمد القرآن إلى نفسه لو كان من عنده ليكسب من وراء ذلك التفوق على أقرانه بهذا البيان العظيم البلاغة الفائقة، كما يفعل بعض الأدباء والعلماء الذين يسطون على أعمال غيرهم ليحققوا من وراء ذلك شهرة ومكانة، ولكن محمدًا لم يفعل ذلك، بل نسب القرآن ـ على حقيقته ـ إلى الله لأنه ليس فيه حول ولا طول، فإذا قيل: إنما فعل ذلك ليحقق منزلة أعظم ومكانة أكبر واستجابة أعم، أجيب بأن ذلك غير صحيح، وإلا لنسب كل أقواله ـ كالسنة النبوية ـ إلى الله، فإذا لم يفعل دل ذلك على أن لله قولًا موحى به هو القرآن الكريم، وللنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولًا آخر وهو السنة النبوية المطهرة (١) .

(ن) وأخيرًا يقدم لنا الدكتور البهي دليلًا حاسمًا في هذه القضية يسأل فيه المنكرين إن كانوا يؤمنون بوحي سابق نزل على موسى وعيسى وغيرهما أو لا يؤمنون، فإن كانوا يؤمنون فالقضية واحدة ولا بد لهم أن يسلموا إما بالجميع أو بإنكار الوحي عمومًا، أما أن يؤمنوا به في جهة وينكرونه في جهة أخرى فهذا لا يقبله العلم ولا المنطق والموضوعية، وإن كانوا ينكرون الوحي بعامة فلن يجدي معهم أي دليل. يقول: "لو واجهنا بالقرآن غير المسلم من متعصبي أهل الكتاب، فإنه ـ القرآن ـ لا يكون له دليل هداية واقناع على أن القرآن وحي من الله، وإنما الذي يجب أن يسلك معه مطالبته بتحديد موقفه من الوحي كقضية عامة للديانات الثلاث، وليست قضية الإسلام وحده , فما يقوله الغرب المسيحي باسم العلم تأييدًا لوحي عيسى أو موسى يصح أن يقال تأييدًا لوحي محمد، فإذا كان الوحي كأمر غير عادي يخضع للطريقة العلمية الحديثة، أو لا بد أن يقف عند حد اعتقاد المؤمنين به في كل دين فكل أنواع الوحي سواء في هذا أو ذاك، أما الأمر الذي يجب أن ينكره البحث العلمي ـ بهذا التحديد ـ فهو أن يناقش نوع من الوحي ويتشكك فيه باسم العلم، ثم يصان نوع آخر منه على أنه بديهي التسليم، وبعيد عن مجال الجدل العقلي والنظري أو العلمي التجريبي" (٢) .


(١) النبأ العظيم: ص ٢٢
(٢) الفكر الإسلامي الحديث: ص ١٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>