للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل) وقد ورد ذكر العسل في السنة كثيرًا وكذا في القرآن (١) واعتبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل الأدوية الشعبية في العرب.

وأما الأطباء فقد أجمعوا على أنه ذو فوائد علاجية في عديد من الأمراض، لاحتوائه على مواد مثبطة للجراثيم ومضادة للفطور العفنية (٢) .

وقد ثبت أن رجلًا استطلق بطن أخيه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((اسقه عسلًا)) فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلًا. فسقاه فبرأ)) (٣) .

وهذا بالنسبة لما كان موجودًا في عصره صلى الله عليه وسلم ويقاس عليه كل دواء شراب مما يصفه الطبيب بقصد العلاج.

ثانيًا - التداوي عن طريق العمليات الجراحية:

وهو ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: أو شرطة محجم. في حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار وأنا أنهى أمتي عن الكي)) (٤) .

ففي قوله: ((شرطة محجم)) إشارة إلى الحجامة (وهي عبارة عن مص الدم بعد تشريط الجلد بالمشرط بواسطة آلة مجوفة ذات فوهتين كقرن الثور مثلًا) وكانت الحجامة من وسائل المعالجة الشائعة عند العرب منذ الجاهلية، ولقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه على المعالجة بها، فقد ثبت أنه احتجم وأوصى أصحابه بها ولكن نبههم إلى عدم المبالغة في استعمالهم للأدوية الشعبية، وأن تستعمل عند وجود الدواعي والحاجة إليها (٥) . كما روي أن جابر بن عبد الله أوصى رجلًا كان يشتكي من خراج شق عليه فدعا له بحجام، فلما رأى تبرم الرجل من ذلك قال له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أحب أن أكتوي)) ، قال: فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد (٦) .

ومن تلك العمليات الجراحية ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع عرقًا ثم كواه عليه (٧) .

ثالثًا - العمليات: ويلحق بتلك العمليات الجراحية الكي:

وقد كان التداوي بالكي من طرق المعالجة المعروفة عند العرب حتى جاء ذكرها في أشعارهم وأمثالهم، وطريقة التعالج بالكي أنهم يأتون بقضبان حديدية منتهية بأشكال مختلفة وبعد أن تحمى هذه القضبان على النار حتى تحمر، تكوى بها النواحي المختلفة، وقد تطورت المكاوي في عصرنا حتى اخترعت المكواة الكهربائية وهي أكثر تحكمًا فيها وأسهل استعمالًا (٨) .

وقد استعمل الكي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطع النزيف الدموي كما في قصة سعد بن معاذ الذي أصيب في أكحله؛ فكوى النبي صلى الله عليه وسلم مكان النزيف لإيقافه (٩) .

وكذلك بعث إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه عليه (١٠) .

كما استعمل أيضًا في معالجة الألم الجنبي، أو ما يسمى قديمًا (بذات الجنب) وقد استعملها الصحابة ومنهم أنس بن مالك حيث قال: (كويت من ذات الجنب ورسول الله حي، وشهدني أبو طلحة، وأنس بن النضر وزيد بن ثابت، وأبو طلحة كواني) (١١) .

ففي هذا الحديث أن ذات الجنب عولج بالكي فهو نوع من الجراحة الصغرى، كما عولجت اللقوة بالكي، وهي شلل العصب الوجهي والغالب في أحداثها هو البرد (١٢) .


(١) سورة النحل: الآيتان ٦٨، ٦٩؛ وسورة محمد: الآية ١٥.
(٢) الطب النبوي والعلم الحديث: ٣/٧٠، وقد أطال الكلام فيه عن فوائد العسل واستخداماته الطبية، وذكر أخبارًا تدل على استشفاء الصحابة بالعسل.
(٣) الحديث في الصحيحين وغيرهما، انظر: فتح الباري: ١٠/١٣٩؛ وصحيح مسلم حديث رقم ٢٢١٧.
(٤) فتح الباري: ١٠/١٥٤؛ ونيل الأوطار: ٨/٢١٢.
(٥) انظر: الطب النبوي والعلم الحديث: ٣/٩١ - ١٠٤، وقد تحدث فيه عن أنواع الحجامة ودواعي استعمالها في الطب في الحديث.
(٦) النووي على مسلم: ١٤/١٩٢، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي؛ وفتح الباري: ١٠/١٥٤.
(٧) النووي على مسلم: ١٤/١٩٣.
(٨) الطب والعلم الحديث: ٣/١٠٦.
(٩) النووي على مسلم: ١٤/١٩٤، واختلف في تداويه هو صلى الله عليه وسلم بالكي، انظر: فتح الباري: ١٠/١٥٦.
(١٠) النووي على مسلم: ١٤/١٩٤.
(١١) فتح الباري: ١٠/١٧٢، باب ذات الجنب وهي وجع يحدث في الصدر أو الخاصرة.
(١٢) الموطأ: ٢/٩٤٤، وفيه (أن ابن عمر اكتوى من اللقوة ... ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>