للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ناقش هذه النقطة عبد الملك بن حبيب المتوفى سنة ٢٣١هـ قبل ابن القيم بأربعة قرون حيث قال: (فأما إذا أخطأ الطبيب في كيه أو بطه أو شقه، فيكوي حيث لا يُكوى أو يقطع عرقًا حيث لا يُقطع، أو يبط حيث لا يبط، أو يسقي ما لا يؤمن شربه أو يجاوز قدره فيموت (العليل) من ذلك، فهو ضامن، وإن كان طبيبًا معروفًا بالطب وبالبصر به، لأنه جناية يده بخطأ، وذاك على عاقلته إذا جاوز ما أصاب ثلث الدية، ولا عقوبة عليه لأنه يعذر بجهل، ولم يتعمد بيد ولا بقلب حتى زلت يده أو حديدة في سرعتها. وكذلك قال مالك: إذا كان الطبيب معروفًا بالطب فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى أو يخطىء فيكون ذلك على العاقلة إن بلغت ثلث الدية، وإن كان أقل من ذلك ففي ماله. وكذلك الخاتن يختن فيموت الصبي من اختتانه، إن كان بصيرًا بعمل، معروفًا به فلا شيء عليه، وإن لم يكن معروفًا فهو ضامن من ذلك في ماله وعليه العقوبة. قال: وإن كان أخطأ أو قطع ما لا يقطع أو مضت يده إلى البيضة (المقصود الخصية) أو ما أشبه ذلك من الخطأ وتعدى الصواب فهو ضامن (سواء) كان بصيرًا بعمله معروفًا به أو غير معروف. وإن كان غير معروف ففي ماله قليلًا كان أو كثيرًا، وإن كان بصيرًا بعمله، معروفًا به، فذلك على عاقلته إن جاوز ثلث الدية. وإنما يفترقان في العقوبة: يعاقب غير المعروف بذلك العمل (لأنه غير مأذون له من جهة الشارع وتصرف العقوبة عن المعروف بعمله، البصير به. وكذلك قال مالك في ذلك كله) .

ثم قال: (وإن كان الطبيب نصرانيًا فسقى المسلم فمات فعلى السلطان أن يكشفه عما سقاه وإن كان طبيبًا معروفًا بالطب والبصر به للمظنة التي تواقعه لعداوة النصارى للمسلمين ومثل ذلك لا شك عن اليهود) .

ثم ذكر ابن القيم القسم الرابع فقال: (القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله فهذا يخرج على روايتين أحدهما أن دية المريض في بيت المال والثانية أنها على عاقلة الطبيب) .

(والقسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن وليه أو ختن صبيًّا بغير إذن وليه فتلف. قال بعض أصحابنا: يضمن لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه. وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي والمجنون لم يضمن. ويحتمل أن لا يضمن مطلقًا لأنه محسن وما على المحسنين من سبيل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>