الرأي الأول: وهو المشهور في المذهب – أنه يجوز هذا التعاقد ويصح – وقد أجازه مالك وأصحابه اتباعا لما جرى عليه عمل أهل المدينة، فقد اشتهر ذلك بينهم، ولاشتهار ذلك من فعلهم سميت (بيعة أهل المدينة) .
وقد اشترطوا لصحته شرطين:
الشرط الأول: أن يشرع في أخذ ما أسلم فيه، وقد ذكروا أنه يجوز أن يتأخر الشروع العشرة أيام ونحوها.
الشرط الثاني: أن يكون أصل المسلم فيه عند المسلم إليه، على ما قاله غير ابن القاسم في سماع سحنون من السلم والآجال، وليس ذلك محض سلم: ولذلك جاز تأخير رأس المال إليه فيه، ولا شراء شيء بعينه حقيقة، ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله.
* وكأني بالمذهب يريد أن يطمئن إلى أمرين: الأول: أن يكون أصل السلعة موجودا حتى لا يكون العقد دينا بدين، والثاني: أن يشرع في الأخذ فعلا، بأن قبض أوله، حتى لا يكون بيعا لشيء غير موجود عند التعاقد بثمن مؤجل، ويعتبر الشروع قائما إذا تم في مدة قريبة.
الرأي الثاني: ما نقلناه آنفا (أنه روي عن مالك أنه لم يجز هذا العقد، ورآه دينا بدين، وقال تأويل حديث مجمر، أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وهذا تأويل سائغ في الحديث، لأنه إنما سمي فيه السوم وما يأخذ كل يوم، ولم يذكر عدد الأرطال التي اشترى منه، فلم ينعقد بينهما بيع على عدد مسمى من الأرطال، فكلما أخذ شيئا وجب عليه ثمنه إلى العطاء، ولا يلزم واحدا منهما التمادي على ذلك إذا لم يعقدا بيعهما على عدد مسمى من الأرطال، فكلما أخذ شيئا وجب عليه ثمنه إلى العطاء.
وإجازة ذلك مع تسمية الأرطال التي يأخذ منها في كل يوم رطلين أو ثلاثة على الشرطين المذكورين هو المشهور في المذهب، وهو قوله في هذه الرواية: وأنا أراه حسنا، معناه: وأنا أجيز ذلك استحسانا اتباعا لعمل أهل المدينة، وإن كان القياس يخالفه.
إذن إجازة هذا النوع من التعاقد مبنية على الاستحسان الذي دليله عمل أهل المدينة، وحديث مجمر.