الرحيم في المآل ولا يقطع في عاقبة أمره، لأنها مبهمة، وأما الصلاة فليست كذلك، فافترقا.
ثم أجاب عنه ابن المبارك بأن الاعتقاد بين الخوف والرجاء شرط لصحة الإيمان والقول بالقطع في إيمان أحد في عاقبة أمره يفوت ذلك الشرط وبفوت الشرط يفوت المشروط، وهذا فاسد، لأن القطع عند الناس لا يرفع الخوف، إذ به يحصل العلم بالنجاة والفلاح، وإنما يحصل بقطع الإيمان عند الله، وذلك غير مقطوع، ولأن القطع عند الناس لازم لصحة الإيمان، فإن الاعتقاد بين الخوف والرجاء شرط لصحة الإيمان، فبالقول بعدم القطع مطلقا يفوت الرجاء، فيفوت الشرط فيفوت المشروط، وأيضا أن الصلاة مطلقا مع حصول الطهارة في الظاهر يصح بغير شك، بخلاف الإيمان، فإن له ظاهرا وباطنا، ظاهره مشروط بشرط يتعلّق بالحسنّ الظاهر، وليس لجواز دخول الجنّة من حيث الظاهر شرط غير ذلك، وباطنه متعلّق بالقلب، فالحكم بدخول الجنّة عند الله يتعلّق بذلك، فافترق الإيمان والصلاة.
قال ركن الدين محمد: إن عمّه عزيز الله بن إسماعيل الردولوي لما سمع ذلك البحث كتب أن الجنّة والنار كلتاهما ثمرة الإسلام والكفر، فلمّا شاهدنا الإسلام أو الكفر من أحد، وعلمنا بالحسّ أنه مات مسلما أو كافرا بأن مات، وهو يلفظ كلمة الإسلام أو الكفر، ولم يظهر منه ضدّ ذلك حكمنا، وشهدنا ظاهرا عند الناس أنه من أهل الجنّة أو من أهل النار، وما ذكر في الكتب أن العاقبة مبهمة، ولا نقول لأحد بعينه:"إنه من أهل الجنّة أو من أهل النار"، فمعناه أنها مبهمة باعتبار إلهام علم الله، وحكمته تعالى في الأزل بما سبق في حقّه، ولا نقول لأحد: إنه من أهل الجنّة أو أهل النار قطعا ويقينا عند الله تعالى، والله أعلم. انتهى.