بأنه علمهم خلافَ سُنّة النبي صلى اللَّه عليه وسلم في الصلاة أو غيرها من الأحكام.
وقد كان أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَبْعُدُ عنهم كُلَّ البُعْد أن يَرَوْا أحدا يفعل خلافَ السنة، ثم يَسكتون عنه، وهذا أمرٌ لا ريبَ فيه، ولا يُنْكَرُ تعليمُ ابن مسعود أهلَ "العراق"، ولا شُيوعُ هذا التعليم في عصر الصحابة، فكان إجماع الصحابة على هذا التعليم إجماعا سكوتيا، كالإجماع على جَمْعِ القرآن.
ثم جلس بعدَ ابن مسعود رضي اللَّه عنه مكانَه صاحباهُ: عَلْقَمَةُ والأسودُ، يُعَلِّمانهم كما علمَهما، فلم يُنْكَر عليهما أيضًا، لا في هذا التعليم، ولا على العمل به، وهَلُمَّ جَرًّا إلى أن جاء عهد أئمة "العراق" المعروفين بالفقه والفتيا، واطَّلعوا على اختلاف الروايات والأحاديث عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وكان منها ما يُخالف تعليمَ ابن مسعود رضي اللَّه عنه، والعمل به، فعند ذلك لجأوا إلى العمل المتوارث، وجعلوه مِعيارا لنقد الروايات والأحاديث المختلفة، أعني عمل السلفِ الصالح جماهير علمائهم.
فإنّ الأئمة شاهدوا أن راوِيَ الحديث يرويه، ولا يَعملُ به، ويُرْوَى عنه الحديث، ويُرْوَى عنه العمل بخلافه، فحينئذ تأوَّلوا في الحديث، وعَمِلوا بعَمَل الراوي.
وذلك لأن علماء الصحابة رضي اللَّه عنهم، وكذا التابعين جماهيرهم يَبعُد عنهم كلَّ البعد أن يَرْوُوْا الحديث ولا يعَملون به،، فإن خلافَ الحديث بالعمل يُسقِط العدالة، فلا بدّ أن يكون الحديث غيرَ معمول به، إما لكونه موؤّلا، أو منسوخا، أو لغير ذلك من الوجوه.
وقد كانوا في خير القرون الذين وردَ في شأنهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ} الآية. وأيضًا {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ