للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قِيلَ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ يَعُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: يَعُودُ إِلَى كُلِّ قَائِلٍ أَيْ: لَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ، أَوِ الْعِلْمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ، وَيُؤَيُّدُهُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى: مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى. أَقُولُ: فِي تَأْيِيدِهَا نَظَرٌ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِيهِ أَيْضًا، بَلِ الْمَعْنَى الثَّانِي أُظْهَرُ مِنْهَا حَيْثُ قَالَ: مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ بِطْرِيقِ الْعُمُومِ الْمُشِيرِ إِلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ " مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا خُصَّ يُونُسُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي جُمْلَةِ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَقَالَ: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ - إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: ٤٨] فَقَصَّرَ بِهِ عَنْ مَرَاتِبِ أُولِي الْعَزْمِ وَالصَّبْرِ مِنَ الرُّسُلِ، يَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا لَمْ آذَنْ لَكُمْ أَنْ تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى، فَلَا يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تُفَضِّلُونِي عَلَى غَيْرِهِ مَنْ ذَوِي الْعَزْمِ مِنْ أَجِلَّةِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالْهَضْمِ مِنَ النَّفْسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ: " «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» " لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ مُفْتَخِرًا وَلَا مُتَطَاوِلًا بِهِ عَلَى الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ذِكْرًا لِلنِّعْمَةِ وَمَصْرِفًا بِالْمِنَّةِ، وَأَرَادَ بِالسِّيَادَةِ مَا يُكْرَمُ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ مِنَ الشَّفَاعَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>