٥١١٩ - «وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تَوَاضَعُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ، وَفِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، حَتَّى لَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ» ".
ــ
٥١١٩ - (وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَهُوَ) أَيْ: عُمَرُ (عَلَى الْمِنْبَرِ) : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى حِفْظِ الْقَضِيَّةِ وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَالْمَسْأَلَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لِكَوْنِهِ فِي مَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) : وَلَعَلَّ الْعُدُولَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ وَنَفْيِ تَوَهُّمِ الْخُصُوصِ (تَوَاضَعُوا) أَيْ: لِيَتَوَاضَعَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَيَتْرُكَ التَّكَبُّرَ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤] وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَذِلَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِكَمَالِ التَّوَاضُعِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ» ) : هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَقَطْ رَوَاهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فَهُوَ) : الْفَاءُ تَفْرِيعِيَّةٌ أَيْ: فَالْمُتَوَاضِعُ الْمَرْفُوعُ نَتِيجَتُهُ أَوْ عَلَامَتُهُ أَنَّهُ (فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ) : أَوْ جَزَائِيَّةٌ وَتَقْدِيرِيَّةٌ، وَإِذَا رَفَعَهُ اللَّهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ حَقِيرٌ خَالٍ عَنِ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ. (وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ) أَيْ: عَظِيمُ الْقَدْرِ جَلِيلُ الشَّأْنِ لِرَفْعِهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْحَمِيدَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي نَفْسِي صَغِيرًا. وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرًا. (وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ، وَفِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، حَتَّى) : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَغِيرٌ أَوْ بِحَاصِلِ الْمَجْمُوعِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ حَتَّى هَذِهِ ابْتِدَائِيَّةٌ فَفِي الْمُغْنِي أَنَّ حَتَّى قَدْ تَكُونُ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ أَيْ: حَرْفًا يُبْتَدَأُ بَعْدَهُ الْجُمَلُ أَيْ: تُسْتَأْنَفُ فَيَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
فَمَا زَالَتِ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا ... بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى دُخُولُ لَامِ الِابْتِدَاءِ فِي قَوْلِهِ: (لَهُوَ) أَيِ: الْمُتَكَبِّرُ الْمَوْضُوعُ، (أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ) أَيْ: أَذَلُّ وَأَحْقَرُ عَلَى النَّاسِ (مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) : وَالتَّنْوِيعُ إِمَّا بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُتَكَبِّرِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ النَّاسِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ جَزَائِيَّةٌ لِشَرْطٍ مَحْذُوفٍ يَعْنِي مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ هَضَمَ حَقَّهُ مِنْ نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ نَفْسَهُ دُونَ مَنْزِلَتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ) ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، الَّتِي هِيَ حَقُّهُ إِلَى مَا هِيَ أَرْفَعُ مِنْهَا وَيُعَظِّمُهُ عِنْدَ النَّاسِ وَبِعَكْسِهِ فِي الْقَرِينَةِ الْأُخْرَى، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَوَاضَعَ رَفَعَ اللَّهَ حِكْمَتَهُ، وَقَالَ: انْتَفِشْ نَفْسَكَ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرٌ، وَإِذَا بَطَرَ وَعَدَا طَوَرَهُ وَهَضَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ: اخْسَأْ أَخْسَأَكَ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ، حَتَّى يَكُونَ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْخِنْزِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute