قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتُ: الْمُؤْمِنُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَامَّ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْخَاصَّ الَّذِي يُقَابِلُهُ الْفَاسِقُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السجدة: ١٨] فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا تُصَاحِبْ إِلَّا صَالِحًا. قُلْتُ: الْمُرَادُ بِالْفَاسِقِ الْكَافِرِ بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: ١٨] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ خُلُودِهِمْ. وَفِي تَفْسِيرِ السَّيِّدِ مَعِينِ الدِّينِ الصَّفَوِيِّ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ، فَقَالَ لَعَلِيٍّ: إِنَّكَ صَبِيٌّ وَأَنَا وَاللَّهِ أَبْسَطُ لِسَانًا، وَأَحَدُّ سِنَانًا، وَأَشْجَعُ مِنْكَ جَنَانًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اسْكُتْ، فَإِنَّكَ فَاسِقٌ، هَكَذَا قَالَهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَالْفَاسِقُ هَهُنَا مَعْنَاهُ الْخَارِجُ عَنِ الْإِيمَانِ، الثَّابِتُ عَلَى الْكُفْرِ، فَلَا يُشْكَلُ بِأَنَّ الْوَلِيدَ أَسْلَمَ آخِرَ عُمُرِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: (وَلَا يَأْكُلُ) نَهْيٌ لِغَيْرِ التَّقِيِّ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامَهُ، وَالْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَا لَا يَأْكُلُ التَّقِيُّ طَعَامَهُ مِنْ كَسْبِ الْحَرَامِ، وَتَعَاطِي مَا يَنْفِرُ عَنْهُ التَّقِيُّ، فَالْمَعْنَى لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُطِيعًا، وَلَا تُخَالِلْ إِلَّا تَقِيًّا اهـ. وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبَهَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ وَجْهُ الْحَصْرِ، فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute