بِحَيْثُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عَلَى الْكُلِّ، وَقَدْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ هُمْ عُلَمَاءُ الدِّينِ، وَأَنَّ مِنْ نَصِيحَتِهِمْ قَبُولَ مَا رَوَوْهُ، وَتَقْلِيدَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِحْسَانَ الظَّنِّ بِهِمْ (وَعَامَّتِهِمْ) أَيْ: وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ تَرْكِ إِعَادَةِ الْعَامِلِ هُنَا إِشَارَةٌ إِلَى حَطِّ مَرْتَبَتِهِمْ بِسَبَبِ تَبَعِيَّتِهِمْ لِلْخَوَاصِّ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنَ الْمَعْمُولَاتِ مُسْتَقِلٌّ فِي قَصْدِ النَّصِيحَةِ، ثُمَّ نَصِيحَةُ الْعَامَّةِ بِإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَصَالِحِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُمْ وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَإِعَانَتِهِمْ عَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ، وَسَدِّ خَلَّاتِهِمْ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ لَهُمْ، وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ بِرِفْقٍ، وَتَوْقِيرِ كَبِيرِهِمْ وَرَحْمِ صَغِيرِهِمْ، وَتَخَوُّلِهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَتَرْكِ غِيبَتِهِمْ وَحَسَدِهِمْ وَالذَّبِّ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَمُجْمَلُهُ أَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَجُمَّاعُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ النَّصِيحَةَ هِيَ خُلُوصُ الْمَحَبَّةِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ وَالتَّحَرِّي فِيمَا يَسْتَدْعِيهِ حَقُّهُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ نَفْسَهُ بِأَنْ يَنْصَحَهَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى طَرِيقَتِهَا مُتَدَارِكَةً لِلْفُرُطَاتِ مَاحِيَةً لِلسَّيِّئَاتِ، وَيَجْعَلَ قَلْبَهُ مَحَلًّا لِلنَّظَرِ وَالْفِكْرِ، وَرُوحَهُ مُسْتَقَرًّا لِلْمَحَبَّةِ، وَسِرَّهُ مَنَصًّا لِلْمُشَاهَدَةِ، وَعَلَى هَذَا أَعْمَالُ كُلِّ عُضْوٍ مِنَ الْعَيْنِ بِأَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى النَّظَرِ إِلَى الْآيَاتِ النَّازِلَةِ، وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ، وَاللِّسَانِ عَلَى النُّطْقِ بِالْحَقِّ وَتَحَرِّي الصِّدْقِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَثَنَائِهِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦] ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ صَدْرَ الْحَدِيثِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُهُ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» ، عَنْ ثَوْبَانَ وَالْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ أَحَدُ أَرْبَاعِ الْإِسْلَامِ أَيِ: الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَجْمَعُ أُمُورَ الْإِسْلَامِ، فَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلِ الْمَدَارُ عَلَى هَذَا وَحْدَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ أَنَّ النَّصِيحَةَ تُسَمَّى دِينًا وَإِسْلَامًا وَأَنَّ الدِّينَ يَقَعُ عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ، وَقَالُوا: النَّصِيحَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَالنَّصِيحَةُ لَازِمَةٌ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ إِذَا عَلِمَ النَّاصِحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ نَصِيحَتُهُ وَيُطَاعُ أَمْرُهُ، وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَكْرُوهَ، وَإِنْ خَشِيَ أَذًى فَهُوَ فِي سِعَةٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute