للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يَكْتَحِلُ بِهِ عِنْدَ نَوْمِهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا» (فَإِنَّهُ) : أَيِ الْإِثْمِدَ أَوِ الِاكْتِحَالَ بِهِ (يَجْلُو الْبَصَرَ) : مِنَ الْجَلَاءِ أَيْ يُحْسِنُ النَّظَرَ، وَيَزِيدُ نُورَ الْعَيْنِ، وَيُنَظِّفُ الْبَاصِرَةَ لِدَفْعِ الْمَوَادِّ الرِّدْيَةِ النَّازِلَةِ إِلَيْهَا مِنَ الرَّأْسِ. (وَيُنْبِتُ) : مِنَ الْإِنْبَاتِ (الشَّعَرَ) : بِفَتْحَتَيْنِ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْعَيْنِ، لَكِنْ قَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ بِفَتْحِهَا. قُلْتُ: وَلَعَلَّ وِجْهَةَ مُرَاعَاةِ لِفْظِ الْبَصَرِ، وَهُوَ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ اللَّفْظِيَّةِ الْبَدِيعِيَّةِ وَالْمُنَاسِبَاتِ السَّجْعِيَّةِ، وَنَظِيرُهُ وُرُودُ الْمُشَاكَلَةِ فِي لَا مَلْجًا وَلَا مَنْجًا، وَرِوَايَةُ: أَذْهَبَ الْبَاسَ رَبُّ النَّاسِ بِإِبْدَالِ هَمْزَةِ الْبَأْسِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالشَّعَرِ هُنَا الْهُدَبُ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ مَثْرَهْ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى أَشْفَارِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشَّعَرِ مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ.

(وَزَعَمَ) : أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحٌ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، وَرِوَايَاتٍ لِلتِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ أَيْضًا، وَهُوَ أَقْرَبُ، وَبِالِاسْتِدْلَالِ أَنْسَبُ، وَقِيلَ: أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَزَعَمَ بِالْفَاءِ، وَالزَّعْمُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ. أَوْ فِي الظَّنِّ الْبَاطِلِ. قَالَ تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التغابن: ٧] ، وَفِي الْحَدِيثِ: بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا، عَلَى مَا رَوَاهُ فِي أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ حُذَيْفَةَ، فَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ السِّيَاقِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ «كَقَوْلِ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ أَخِيهَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِاثْنَيْنِ مِنْ أَصْهَارِهَا أَجَارَتْهُمَا، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ» . وَإِنْ كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ، فَالزَّعْمُ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرِ إِشَارَةً إِلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ بِإِسْقَاطِ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَائِلُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَقِيلَ: وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ (زَعَمَ) فَائِدَةٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ أَتَى بِهِ لِطُولِ الْفَصْلِ، كَمَا يَقَعُ عَادَةً. قَالَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَارَاتِ: وَجَاءَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، بِأَنَّ الْأُولَى حَدِيثٌ قَوْلِيٌّ، وَالثَّانِيَةُ حَدِيثٌ فِعْلِيٌّ، هَذَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّيُوطِيَّ جَعَلَ الْحَدِيثَ حَدِيثَيْنِ. وَقَالَ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ، وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ» ، وَلَمَّا كَانَ زَعَمَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى ظَنَّ ضَبَطَ قَوْلَهُ. (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَخَبَّرَ أَنَّ قَوْلَهُ: (كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ) : بِضَمَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا سَاكِنَةٌ اسْمُ آلَةِ الْكُحْلِ، وَهُوَ الْمَيْلُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا هَاهُنَا مَا فِيهِ الْكُحْلُ، (يَكْتَحِلُ بِهَا) : كَذَا بِالْبَاءِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ، وَفِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الشَّمَائِلِ بِلَفْظِ " مِنْهَا " فَالْبَاءُ بِمَعْنَى " مِنْ " كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ; {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِسَبَبِيَّةِ (كُلَّ لَيْلَةٍ) : أَيْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَعِنْدَ النَّوْمِ كَمَا فِي أُخْرَى، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ أَبْقَى لِلْعَيْنِ، وَأَمْكَنُ فِي نُفُوذِ السَّرَايَةِ إِلَى طَبَقَاتِهَا (ثَلَاثَةً) : أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةٍ (فِي هَذِهِ) : أَيِ الْيُمْنَى (وَثَلَاثَةً) : أَيْ مُتَتَابِعَةً (فِي هَذِهِ) : أَيِ الْيُسْرَى، وَالْمُشَارُ إِلَيْهَا عَيْنُ الرَّاوِي بِطْرِيقِ التَّمْثِيلِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوْتِرْ» " عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي الْإِيتَارِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا سَبَقَ، وَعَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ، وَهُوَ أَقْوَى فِي الِاعْتِبَارِ لِتَكْرَارِ تَحَقُّقِ الْإِيتَارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ عُضْوٍ، كَمَا اعْتُبِرَ التَّثْلِيثُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكْتَحِلَ فِيهِمَا خَمْسَةً، ثَلَاثَةً فِي الْيُمْنَى، وَمَرَّتَيْنِ فِي الْيُسْرَى، عَلَى مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ بِالْيَمِينِ تَفْضِيلًا لَهَا عَلَى الْيَسَارِ، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ الْفَيْرُوزَآبَادِي، وَيُجَوِّزُ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَوَاحِدَةً بَيْنَهُمَا، أَوْ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا مُتَعَاقِبَةً، وَفِي الْيُسْرَى اثْنَتَيْنِ، فَيَكُونُ الْوَتْرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَأَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ حُصُولِ الْوَتْرِ شَفْعًا، مَعَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكْتَحِلَ فِي كُلٍّ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ وَثُمَّ وَيَئُوَلُ أَمْرُهُ إِلَى الْوَتْرَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُضْوَيْنِ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ عَلَى بَابِ طَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ بِجَامِعِ التَّنْظِيفِ وَالتَّزْيِينِ هُوَ الْأَوَّلُ فَتَأْمَّلْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : أَيْ فِي جَامِعِهِ، وَكَذَا فِي الشَّمَائِلِ بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا: ( «اكْتَحَلُوا بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ» ) . وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا الْحَاكِمُ عَنْهُ بِلَفْظِ: " «عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ» " إِلَخْ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: " «عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ فَإِنَّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشَّعَرِ مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ» ". وَرَوَاهُ الْبَغَوَيُّ فِي مُسْنَدِ عُثْمَانَ عَنْهُ بِلَفْظِ: " «عَلَيْكُمْ بِالْكُحْلِ، فَإِنَّهُ يُنْبِتُ الشَّعْرَ وَيَشُدُّ الْعَيْنَ» ". وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إِذَا اكْتَحَلَ اكْتَحَلَ وَتْرًا، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ وَتْرًا» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>