فَتَأَمَّلْ، مَعَ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ إِجْمَاعًا. قَالَ: وَأَمَّا أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ، فَيُكَنَّى أَبَا يُوسُفَ أَحَدُ الْأَحْبَابِ، وَأَحَدُ مَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ يُوسُفَ وَغَيْرُهُ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ. (قَالَ) : أَيْ عَبْدُ اللَّهِ أَوِ ابْنُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ أَبْصَرْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ (أَخَذَ كِسْرَةً) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ قِطْعَةً (مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ: وَفِي رِوَايَةٍ بِالتَّنْكِيرِ (فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ) : أَيِ التَّمْرَةُ (إِدَامُ هَذِهِ) : أَيِ الْكِسْرَةِ (وَأَكَلَ) : وَفِي رِوَايَةٍ " فَأَكَلَ ". قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا كَانَ التَّمْرُ طَعَامًا مُسْتَقِلًّا، وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا بِالْأَدْوِيَةِ أَخْبَرَ أَنَّهُ صَالِحٌ لَهَا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مَنْ حَلَفْتُ أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا بِإِدَامٍ فَأَكَلَهُ بِتَمْرٍ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَكَلَهُ بِتَمْرٍ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَكَلَهُ بِمِلْحٍ أَوْ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ وَقَالَ مِيرَكُ: هَذَا الْحَدِيثُ يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّ التَّمْرَ إِدَامٌ كَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَيُرَدُّ قَوْلُ مَنْ شَرَطَ الِاصْطِبَاغَ مِنَ الْإِدَامِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، لَكِنْ خُصِّصَ مِنَ الْإِدَامِ مَا يُؤْكَلُ غَالِبًا وَحْدَهُ كَالتَّمْرِ، وَلَمْ يَعُدَّهُ مِنَ الْإِدَامِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَعَ إِطْلَاقُ الْإِدَامِ عَلَى التَّمْرِ فِي الْحَدِيثِ مَجَازًا أَوْ تَشْبِيهًا بِالْإِدَامِ، حَيْثُ أَكَلَهُ مَعَ الْخُبْزِ. قُلْتُ: هَذَا الْمُحْتَمَلُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ، وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ، وَأَمَّا مَبْنَى الْإِيمَانِ وَالْحِنْثِ فَعَلَى الْعُرْفِ الْمُخْتَلِفِ زَمَانًا وَمَكَانًا، ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِتَدْبِيرِ الْغِذَاءِ، فَإِنَّ الشَّعِيرَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَالتَّمْرُ حَارٌّ رَطِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِيهِ مِنَ الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا مَا لَا يَخْفَى. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute