للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

الْفَصْلُ الثَّانِي

٣٦٩٤ - عَنِ الْحَارِسِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ: بِالْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يُرَاجِعَ وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

٣٦٩٤ - (عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيُّ يُعَدُّ فِي الشَّامِيِّينَ ; رَوَى عَنْهُ أَبُو سَلَّامٍ الْحَبَشِيُّ وَغَيْرُهُ، (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمُرُكُمْ) ; أَيْ أَنَا (بِخَمْسٍ) ; أَيْ خِصَالٍ (بِالْجَمَاعَةِ) ; أَيْ بِاتِّبَاعِ إِجْمَاعِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْاعْتِقَادِ، وَالْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّينِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ الصَّحَابَةُ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَتَابِعِي التَّابِعِينَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ ; أَيْ آمُرُكُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِهَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ وَالْانْخِرَاطِ فِي ذِمَّتِهِمْ، (وَالسَّمْعِ) ; أَيِ اسْتِمَاعِ كَلِمَةِ الْحَقِّ وَقَبُولِهَا مِنَ الْأَمِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِالسَّمْعِ ; الْإِصْغَاءُ إِلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَتَفَهُّمُهُمَا، (وَالطَّاعَةِ) ; أَيْ طَاعَةِ الْأَمِيرِ فِي الْمَشْرُوعَاتِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِالطَّاعَةِ الِامْتِثَالُ بِالْأَوَامِرِ وَالْانْزِجَارُ عَنِ النَّوَاهِي (وَالْهِجْرَةِ) ; أَيِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَمِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ دَارِ الْبِدْعَةِ إِلَى دَارِ السُّنَّةِ، وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى التَّوْبَةِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» " (وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ; أَيْ مَعَ الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَقَمْعِ أَعْدَائِهَا، وَمَعَ النَّفْسِ بِكَفِّهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا، وَمَنْعِهَا عَنْ لَذَّاتِهَا، فَإِنَّ مُعَادَاةَ النَّفْسِ مَعَ الشَّخْصِ أَقْوَى وَأَضَرُّ مِنْ مُعَادَاةِ الْكَفَرَةِ مَعَهُ، وَقَدْ رَوَى: أَعْدَى عَدُّوِكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ (فَإِنَّهُ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (وَإِنَّهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْمُ " إِنَّ " ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ تَفْسِيرُهُ، وَهُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِالتَّمَسُّكِ بِعُرَى الْجَمَاعَةِ، وَالْوَاوُ مِثْلُهَا ; فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: ١٥] بَعْدَ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل: ١٥] فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْجُمْلَتَيْنِ، وَتَفْوِيضِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا إِلَى ذِهْنِ السَّامِعِ ( «مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ» ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ ; أَيْ قَدْرَهُ وَأَصْلُهُ الْقَوَدُ مِنَ الْقَوْدِ ; وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْقِصَاصُ، وَالْمَعْنَى مَنْ فَارَقَ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ الْبِدْعَةِ وَنَزْعِ الْيَدِ عَنِ الطَّاعَةِ، وَلَوْ كَانَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُقَدَّرُ فِي الشَّاهِدِ بِقَدْرِ شِبْرٍ، ( «فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ» ) ; أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ (مِنْ عُنُقِهِ) وَانْحَرَفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَخَرَجَ عَنِ الْمُوَافَقَةِ (إِلَّا أَنْ يُرَاجِعَ) بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالرِّبْقَةُ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ ; وَهِيَ فِي الْأَصْلِ ; عُرْوَةٌ فِي حَبْلٍ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَهِيمَةِ، أَوْ يَدِهَا تُمْسِكُهَا، فَاسْتَعَارَهَا لِلْإِسْلَامِ، يَعْنِي مَا شَدَّ الْمُسْلِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ ; أَيْ حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمَعْنَى فَقَدْ نَبَذَ عَهْدَ اللَّهِ، وَأَخْفَرَ ذِمَّتَهُ الَّتِي لَزِمَتْ أَعْنَاقَ الْعِبَادِ ; لُزُومَ الرِّبْقَةِ، بِالْكَسْرِ، وَهِيَ وَاحِدَةُ الرِّبَقُ، وَهُوَ حَبْلٌ فِيهِ عِدَّةُ عُرَى يُشَدُّ بِهِمُ الْبُهُمُ ; أَيْ أَوْلَادُ الضَّأْنِ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْ تِلْكَ الْعُرَى رِبْقَةٌ، (وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي وَقَعَتْ مُفَسِّرَةً لِضَمِيرِ الشَّأْنِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ التَّمَسُّكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>