٢٤٧ - وَعَنْهُ، فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٢٤٧ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فِيمَا أَعْلَمُ) : بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَقِيلَ: هُوَ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ أَيْ فِي عِلْمِي، أَوْ فِي جُمْلَةِ مَا أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : لَا عَنْ غَيْرِهِ وَقَدْ شَكَّ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ. قَالَ السَّيِّدُ: قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلتُّورِبِشْتِيِّ: فِيمَا أَعْلَمُ مُضَارِعًا أَوْ مَاضِيًا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، أَيْ: هَذَا الْحَدِيثُ كَائِنًا فِي عِلْمِي هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً، أَوْ كَائِنًا فِي إِعْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَائِرَ الصَّحَابَةِ اهـ.
أَقُولُ: قَوْلُهُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ الْفَهْمِ، وَقَدْ تَفَحَّصْتُهُ مِنْ أَصْلِ أَبِي دَاوُدَ فَوَجَدْتُهُ مُخَرَّجًا عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ. فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيمَا أَعْلَمُ يَجُوزُ بِضَمِّ الْمِيمِ حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِفَتْحِهَا مَاضِيًا مِنَ الْإِعْلَامِ حِكَايَةً عَنْ فِعْلِهِ اهـ. أَقُولُ: أَمَّا قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْمِيمِ حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَلْقَمَةَ الرَّاوِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: حِكَايَةً عَنْ فِعْلِهِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَمُسَامَحَةٌ، تَأَمَّلْ. انْتَهَى كَلَامُ السَّيِّدِ. (قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ") أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، وَيَحْتَمِلُ أُمَّةَ الدَّعْوَةِ (عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ سَنَةٍ) : أَيِ: انْتِهَائِهِ أَوِ ابْتِدَائِهِ إِذَا قَلَّ الْعِلْمُ وَالسُّنَّةُ وَكَثُرَ الْجَهْلُ وَالْبِدْعَةُ (مَنْ يُجَدِّدُ) : مَفْعُولُ يَبْعَثُ (لَهَا) أَيْ: لِهَذِهِ الْأُمَّةِ (دِينَهَا) أَيْ: يُبَيِّنُ السُّنَّةَ مِنَ الْبِدْعَةِ وَيُكْثِرُ الْعِلْمَ وَيُعِزُّ أَهْلَهُ وَيَقْمَعُ الْبِدْعَةَ وَيَكْسِرُ أَهْلَهَا. قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ: وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَشَارَ إِلَى الْعَالِمِ الَّذِي هُوَ فِي مَذْهَبِهِ، وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ فَإِنَّ لَفْظَةَ " مَنْ " تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَلَا يَخْتَصُّ أَيْضًا بِالْفُقَهَاءِ فَإِنَّ انْتِفَاعَ الْأُمَّةِ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَانْتِفَاعُهُمْ بِأُولِي الْأَمْرِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْقُرَّاءِ وَالْوُعَّاظِ وَالزُّهَّادِ أَيْضًا كَثِيرٌ، إِذْ حِفْظُ الدِّينِ وَقَوَانِينُ السِّيَاسَةِ وَبَثُّ الْعَدْلِ وَظِيفَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَكَذَا الْقُرَّاءُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَنْفَعُونَ بِضَبْطِ التَّنْزِيلِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الشَّرْعِ وَأَدِلَّتَهُ، وَالْوُعَّاظُ يَنْفَعُونَ بِالْوَعْظِ وَالْحَثِّ عَلَى لُزُومِ التَّقْوَى لَكِنِ الْمَبْعُوثُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ فِي كُلِّ فَنٍّ مِنْ هَذِهِ الْفُنُونِ. نَقَلَهُ السَّيِّدُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وَحَمَلَ الْمُجَدِّدِينَ مَحْصُورِينَ عَلَى الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَخَتَمَهُمْ بِشَيْخِهِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِتَجْدِيدِ فَنٍّ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَشَيْخُ مَشَايِخِنَا السُّيُوطِيُّ هُوَ الَّذِي أَحْيَا عِلْمَ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَجَمَعَ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي جَامِعِهِ الْمَشْهُورِ، وَمَا تَرَكَ فَنًّا إِلَّا وَلَهُ فِيهِ مَتْنٌ أَوْ شَرْحٌ مَسْطُورٌ، بَلْ وَلَهُ زِيَادَاتٌ وَمُخْتَرَعَاتٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُجَدِّدُ فِي الْقُرْآنِ الْمَذْكُورِ كَمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ فِي دَعْوَاهُ مَقْبُولٌ وَمَشْكُورٌ، هَذَا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ يُجَدِّدُ لَيْسَ شَخْصًا وَاحِدًا، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute