الْفَصْلُ الثَّانِي
٣٣٣٨ - «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: " لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
٣٣٣٨ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَفَعَهُ) : أَيِ: الْحَدِيثَ (إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ) : بِالصَّرْفِ وَقَدْ لَا يُصْرَفُ مَوْضِعٌ أَوْ بُقْعَةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ فِيهَا وَقْعَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا تُوطَأُ) : بِهَمْزٍ فِي آخِرِهِ أَيْ لَا تُجَامَعُ (حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ) : أَيْ: وَلَا تُوطَأُ حَائِلٌ (حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً) : بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ، وَقَوْلُهُ: لَا تُوطَأُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا تُجَامِعُوا مَسْبِيَّةً حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَلَا حَائِلًا ذَاتَ أَقْرَاءٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً كَامِلَةً وَلَوْ مَلَكَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ لَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرِهَا أَوْ كِبَرِهَا، فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَحْصُلُ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ: أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِحْدَاثَ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ، وَبِظَاهِرِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ نَقَلَهُ مِيرَكُ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْفِقْهِ مِنْهَا أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا سُبِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا يَرْتَفِعُ بَيْنَهُمَا النِّكَاحُ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي سَبْيِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ دُونَ الْآخَرِ أَنَّهُ يُوجِبُ ارْتِفَاعَ النِّكَاحِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ وَطْأَهُنَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ، أَوْ مُرُورِ حَيْضَةٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ ذَاتِ زَوْجٍ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ مَنْ سُبِيَتْ مِنْهُنَّ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ وَحْدَهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ السَّبْيِ كُلُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، فَدَلَّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: إِذَا سُبِيَا مَعًا فَهَمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَمِنْهَا أَنَّ وَطْءَ الْحَبَالَى مِنَ السَّبَايَا لَا يَجُوزُ، وَمِنْهَا بَيَانُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْحَامِلِ يَكُونُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَاسْتِبْرَاءَ غَيْرِ الْحَامِلِ مِمَّنْ كَانَتْ بِحَيْضَةٍ حَيْضَةٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ بِالْأَطْهَارِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " «فَطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهَا» فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ، فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ. وَمِنْهَا بَيَانُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ بَعْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ حَتَّى لَوِ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَائِضٌ، لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا اشْتَرَاهَا حَائِضًا أَجْزَأَتْ عَنِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِمُضِيِّ شَهْرٍ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَفِيهِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَأَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي حِينِهِ وَعَلَى وَصْفِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْحَيْضَ دَلِيلَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَفِيهِ أَنَّ اسْتِحْدَاثَ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، يَمْلِكُهَا مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ إِذَا عَجَزَتْ وَالْمَبِيعَةُ إِذَا عَادَتْ إِلَى بَائِعِهَا بِمَقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ عَلَى الْمَالِكِ فِي زَمَانِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُبَاشَرَةِ سِوَى الْوَطْءِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهَا كَالْوَطْءِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهَا تُحْرَمُ فِي الْمُشْتَرَاةِ، وَلَا تُحْرَمُ فِي الْمَسْبِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرَاةَ رُبَّمَا تَكُونُ حَامِلًا وَلَدًا لِغَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي، وَالْحَمْلُ فِي الْمَسْبِيَّةِ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute