للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الْبَرِّ سَوَاءً) أَيْ: مُسْتَوِينَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْكَ وَفِي تَرْكِ الْعُقُوقِ عَلَيْكَ وَفِي الْأَدَبِ وَالْحُرْمَةِ وَالتَّعْظِيمِ لَدَيْكَ، (قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا) أَيْ: فَلَا تُعْطِ أَيِ: الْغُلَامَ لَهُ وَحْدَهُ أَوْ فَلَا تُعْطِ بَعْضَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ (إِذًا) : بِالتَّنْوِينِ أَيْ: إِذَا كُنْتَ تُرِيدُ ذَلِكَ (وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ) أَيِ: النُّعْمَانُ (أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا وَهِيَ أُمُّهُ (لَا أَرْضَى) أَيْ: بِهَذِهِ الْعَطِيَّةِ لِوَلَدِي (حَتَّى يَشْهَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: تَجْعَلَهُ شَاهِدًا عَلَى الْقَضِيَّةِ (فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فَجَاءَهُ أَبِي ( «قَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا» ) أَيْ: بَاقِي أَوْلَادِكَ مِثْلَ هَذَا الْإِعْطَاءِ وَهُوَ بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْرَأَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ (قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ) أَيْ: حَقَّ تَقْوَاهُ أَيْ: مَا اسْتَطَعْتُمْ (وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) : وَفِي خِطَابِ الْعَامِ إِشَارَةٌ إِلَى عُمُومِ الْحُكْمِ (قَالَ) : فَانْصَرَفَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ) أَيْ: إِلَى نَفْسِهِ أَوْ فَرَجَعَ فِي هِبَتِهِ، وَقَوْلُهُ: فَرَدَّ تَفْسِيرٌ لَهُ وَفِيهِ جَوَازُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ (وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ) أَيِ: النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ: «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» ) أَيْ: ظُلْمٍ أَوْ مَيْلٍ فَمَنْ لَا يَجَوِّزُ التَّفْضِيلَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ يُفَسِّرُهُ بِالْأَوَّلِ وَمَنْ يُجَوِّزُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ يُفَسِّرُهُ بِالثَّانِي، قَالَ النَّوَوِيُّ: " فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْهِبَةِ فَلَا يُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ سَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَلَوْ وَهَبَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُمْ: هُوَ حَرَامٌ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» ، وَبِقَوْلِهِ: وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا وَبَاطِلًا لَمَا قَالَ هَذَا، وَبِقَوْلِهِ: فَأَرْجِعْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَافِذًا لَمَا احْتَاجَ إِلَى الرُّجُوعِ، فَإِنْ قِيلَ: قَالَهُ تَهْدِيدًا، قُلْنَا: الْأَصْلُ خِلَافُهُ، وَيَحْمِلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ صِيغَةَ أَفْعِلْ عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا مَعْنَى الْجَوْرِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَيْلُ عَنْ الِاسْتِوَاءِ وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنْ الِاعْتِدَالِ فَهُوَ جَوْرٌ، سَوَاءٌ كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي النِّحَلِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ حَتَّى فِي الْقُبْلَةِ، وَلَوْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ نَفَذَ. وَقَدْ فَضَّلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا نَحَلَهَا إِيَّاهَا دُونَ سَائِرِ أَوْلَادِهِ، وَفَضَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَاصِمًا فِي عَطَائِهِ، وَفَضَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ، قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَرَّرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>