٢٤٧٥ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْغَاسِقُ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٢٤٧٥ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ) وَهُوَ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ مِنَ الْهِلَالِ (فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْغَاسِقُ) أَيْ: إِذَا وَقَبَ قِيلَ الْغَاسِقُ هُوَ اللَّيْلُ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَقَوِيَ ظَلَامُهُ مِنْ غَسَقَ يَغْسِقُ إِذَا أَظْلَمَ، وَوُقُوبُهُ دُخُولُ ظَلَامِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ مِنْ شَرِّ اللَّيْلِ يَعْنِي لِأَنَّهُ أَدْهَى فِي الْوَيْلِ وَلِذَا قِيلَ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ لِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنِ انْبِثَاثِ الشَّرِّ أَكْثَرَ مِمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ قَتْلِ النُّفُوسِ وَاسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْآيَةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمُؤَوَّلٌ عَلَيْهِ لِيُوَافِقَ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْقَمَرِ أَنَّ يَكُونَ مُرَادَهُ، وَقَوْلُهُ هَذَا هُوَ الْغَاسِقُ يَحْتَمِلُ إِشَارَةً إِلَى الظَّلَامِ حَيْثُ دَخَلَ فِي الْمَغِيبِ، وَلِذَا قِيلَ أُطْلِقَ الْغَاسِقُ هُنَا عَلَى الْقَمَرِ لِأَنَّهُ يُظْلِمُ إِذَا خَسَفَ وَوُقُوبُهُ دُخُولُهُ فِي الْخُسُوفِ يَعْنِي ذَا خَسَفٍ، اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِنَّمَا اسْتَعَاذَ مِنْ كُسُوفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى حُدُوثِ بَلِيَّةٍ وَنُزُولِ نَازِلَةٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ " وَلِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي الْحَدِيثِ كَوَضْعِ الْيَدِ فِي التَّعْيِينِ، وَتَوْسِيطُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ الْقَمَرُ لَا غَيْرَ، قُلْتُ: قَدْ يَرِدُ مِثْلُ هَذَا ادِّعَاءً وَإِرَادَةً لِلْمُبَالَغَةِ وَقَصْدًا لِلتَّخْصِيصِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ أَفْرَادِ نَوْعِهِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيُدْفَعُ قَوْلُهُ، وَتَفْسِيرُ الْغَاسِقِ بِاللَّيْلِ يَأْبَاهُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ كُلَّ الْإِبَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِأَنَّ دُخُولَ اللَّيْلِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَمَنِّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ قَالَ تَعَالَى: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ - فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام: ٦٧ - ٧٦] فَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَانِ، وَأَمَّا الْأُولَى فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ نِعْمَةٌ قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا - وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا - وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: ٩ - ١١] لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نِعْمَةً أَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ نِقْمَةً، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى فِي صَدْرِ السُّورَةِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: ١ - ٢] تَعْمِيمًا، ثُمَّ قَالَ: " {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: ٣] " إِلَخْ تَخْصِيصًا ثُمَّ مَا يُنْسَبُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ مَعْنَاهُ مِنْ شَرِّ الذِّكْرِ إِذَا قَامَ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الظُّلْمَةِ النَّفْسَانِيَّةِ الَّتِي قَدْ تَجُرُّ إِلَى ظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا سَلْبُ كَمَالِ نُورِ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَتُرْدِي إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ بَلْ إِلَى ظُلُمَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَأَطْنَبَ ابْنُ حَجَرٍ هُنَا بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَلْ بَيْنَ كَلَامِهِ تَعَارُضٌ وَتَدَافُعٌ وَلِذَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute