الذَّنْبِ أَيْ: بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ (زَادَتْ) أَيِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ أَوْ يَظْهَرُ لِكُلِّ ذَنْبٍ نُكْتَةٍ (حَتَّى تَعْلُوَ) أَيِ: النُّكَتُ (قَلْبَهُ) أَيْ: تُطْفِئُ نُورَ قَلْبِهِ فَتُعْمِي بَصِيرَتَهُ، فَلَا يُبْصِرُ شَيْئًا مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْحِكَمِ الرَّائِعَةِ، وَتَزُولُ عَنْهُ الشَّفَقَةُ وَالرَّحْمَةُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأُمَّةِ، وَيَثْبُتُ فِي قَلْبِهِ آثَارُ الظُّلْمَةِ وَالْفِتْنَةِ وَالْجَرَاءَةِ عَلَى الْأَذِيَّةِ وَالْمَعْصِيَةِ (فَذَلِكُمُ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ: فِي كِتَابِهِ (كَلَّا) أَيْ: حَقًّا (بَلْ رَانَ) أَيْ: غَلَبَ وَاسْتَوْلَى (عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أَيْ: مِنَ الذُّنُوبِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا خَيْرٌ قَطُّ. قِيلَ: الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ. أَيْ: فَذَلِكُمُ الْأَثَرُ الْمُسْتَقْبَحُ الْمُسْتَعْلِي، وَإِدْخَالُ اللَّامِ عَلَى رَانَ، وَهُوَ فِعْلٌ إِمَّا لِقَصْدِ حِكَايَةِ اللَّفْظِ وَإِجْرَائِهِ مَجْرَى الِاسْمِ، وَإِمَّا لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمَصْدَرِ، وَالرَّانُ: بِمَعْنَى الرَّيْنِ وَهُوَ الطَّبْعُ وَالتَّغْطِيَةُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الرَّانُ وَالرَّيْنُ سَوَاءٌ كَالْعَابِ وَالْعَيْبِ، وَالْآيَةُ فِي الْكُفَّارِ إِلَّا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِارْتِكَابِ الذَّنْبِ يُشْبِهُهُمْ فِي اسْوِدَادِ الْقَلْبِ، وَيَزْدَادُ ذَلِكَ بِازْدِيَادِ الذَّنْبِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذِهِ الْآيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ، لَكِنْ ذَكَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخْوِيفًا لِلْمُؤْمِنِينَ كَيْ يَحْتَرِزُوا عَنْ كَثْرَةِ الذَّنْبِ كَيْلَا تَسْوَدَّ قُلُوبُهُمْ كَمَا اسْوَدَّتْ قُلُوبُ الْكُفَّارِ، وَلِذَا قِيلَ: الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute