للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الْفَصْلُ الثَّانِي

٢٣٣٦ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

٢٣٣٦ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي) : " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ: مَا دُمْتَ تَدْعُونِي وَتَرْجُونِي يَعْنِي فِي مُدَّةِ دُعَائِكَ وَرَجَائِكَ (غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ) أَيْ: حَالَ كَوْنِكَ مُسْتَمِرًّا عَلَى مَا وَجَدْتُهُ فِيكَ مِنَ الذَّنْبِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الشِّرْكُ لِخَبَرِهِ تَعَالَى وَلِمَا سَيَأْتِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَلَوْ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَلَا أُبَالِي) أَيْ: وَالْحَالُ أَنِّي لَا أَتَعَظَّمُ مَغْفِرَتَكَ عَلَيَّ وَإِنْ كَانَ ذَنْبًا كَبِيرًا أَوْ كَثِيرًا، فَإِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ أَوْ غَلَبَتْ غَضَبِي. قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَلَا أُبَالِي مَعْنَى: لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ (ابْنَ آدَمَ) : وَفِي رِوَايَةٍ: يَا ابْنَ آدَمَ أَيْ هَذَا الْجِنْسَ فَيَشْمَلُ آدَمَ، (لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ: سَحَابَهَا، وَقِيلَ: مَا عَلَا مِنْهَا أَيْ: ظَهَرَ لَكَ مِنْهَا إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعَنَانُ: السَّحَابُ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى السَّمَاءِ تَصْوِيرٌ لِارْتِفَاعِهِ، وَأَنَّهُ بَلَغَ مَبْلَغَ السَّمَاءِ، وَيُرْوَى أَعْنَانَ السَّمَاءِ أَيْ: نَوَاحِيَهَا جَمْعُ عَنَنٍ، وَقِيلَ: إِضَافَتُهُ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٢٦] وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: السَّمَاءُ تُطْلَقُ عَلَى الْجِرْمِ الْمَعْهُودِ، وَعَلَى كُلِّ مَا ارْتَفَعَ كَالسَّحَابِ، فَالْإِضَافَةُ حِينَئِذٍ بَيَانِيَّةٌ أَيْ: سَحَابٌ هُوَ السَّمَاءُ. فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِمَعْنَى " مِنَ " الْبَيَانِيَّةِ إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُضَافِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ أَيْضًا صَادِقًا عَلَى غَيْرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ كَخَاتَمِ فِضَّةٍ، وَالْمَعْنَى: لَوْ تَجَسَّمَتْ ذُنُوبُكَ وَمَلَأَتْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. (ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ) أَيْ: إِنْ شِئْتُ (وَلَا أُبَالِي) أَيْ: مِنْ أَحَدٍ وَفِيهِ مَعَ تَكْرِيرِهِ رَدٌّ بَلِيغٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ (ابْنَ آدَمَ) : وَفِي رِوَايَةٍ: يَا ابْنَ آدَمَ (إِنَّكَ لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ) : بِضَمِّ الْقَاف ِ وَيُكْسَرُ أَيْ: بِمِثْلِهَا (خَطَايَا) : تَمْيِيزُ قُرَابِ أَيْ: بِتَقْدِيرِ تَجَسُّمِهَا (ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ لِعَدَمِ الشِّرْكِ وَقْتَ اللُّقِيِّ (لَأَتَيْتُكَ) : وَفِي رِوَايَةٍ. لَآتِيكَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ (بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) : تَمْيِيزٌ أَيْضًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: (ثُمَّ) هَذِهِ لِلتَّرَاخِي فِي الْأَخْبَارِ، وَإِنَّ عَدَمَ الشِّرْكِ مَطْلُوبٌ أَوْلَى، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَقِيتَنِي وَقُيِّدَ بِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ: خَطَايَا لَا تُشْرِكُ بِي.

أَقُولُ: فَائِدَةُ التَّقَيُّدِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ عَلَى التَّوْحِيدِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>